إن كلها مفاهيم انتزاعية يبتكرها الذهن على ضوء المعاني المحسوسة.
فنحن نحس-مثلا-بغليان الماء حين تبلغ درجة حرارته مائة، و قد يتكرر إحساسنا بهاتين الظاهرتين-ظاهرتي الغليان و الحرارة-آلاف المرات و لا نحس بعلية الحرارة للغليان مطلقا، و إنما الذهن هو الذي ينتزع مفهوم العلية من الظاهرتين اللتين يقدمهما الحس إلى مجال التصور» [1]
هذه النظرية-في واقعها-جاءت لتبيان مدى علاقة العقل بالحس، و أن الأمر ليس كما يذهب إليه الحسيون من الفلاسفة القدامى و التجريبيون من الفلاسفة المحدثين من أن الحس هو المصدر الوحيد للمعرفة البشرية، و إنما هناك الأفكار الفطرية و البسيطة التي يولد العقل مزودا بها، و هناك الأفكار الغيبية التي تأتي عن طريق الوحي أو الإلهام.
و تفسير ما يعنيه (كنت) و تعنيه النظرية الإنتزاعية فسلجيا: هو أن الحواس تقوم بوظيفة نقل المعلومات إلى الذهن، و يقوم الذهن بوظيفة جمعها و تخزينها، ثم يأتي دور العقل فيقوم بوظيفة التجريد و التصنيف و التحليل و التنظيم و التقعيد.
و من جميع ما تقدم ندرك انتظام العقل في سلسلة مصادر المعرفة و مدى أهميته في مصافها.
الحس
Sense
:
لم يك الإدراك بإحدى الحواس من المعاني التي أدرجها المعجم العربي القديم في قائمة الحس.
ففي (لسان العرب) [2] : «حس الشيء يحس حسا و حسا و حسيسا، و أحس به و أحسه: شعر به.