و إذا اتضح هذا لم يبق أمام الطوفي ما يصلح للإستدلال به على المصالح المرسلة فضلا عن الغلو فيها.
غلو الطوفي في المصالح المرسلة:
و كان من مظاهر غلو الطوفي فيها تقديمه رعاية المصلحة على النصوص و الإجماع، و استدل على ذلك بوجوه:
«أحدها أن منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح، فهو إذن محل وفاق، و الإجماع محل خلاف، و التمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه» [1] .
و يرد على هذا الإستدلال عدم التفرقة بين رعاية المصلحة و بين الإستصلاح كدليل، فالأمة، و إن اتفقت على أن أحكام الشريعة مما تراعى فيها المصالح، و لكن دليل الإستصلاح موضع خلاف كبير لعدم إيمان الكثير منهم بإمكان إدراك هذه المصالح مجتمعة من غير طريق الشرع، و قد سبق إيضاح ذلك في مبحث العقل.
فدليل الإستصلاح إذن ليس موضع وفاق ليقدم على الإجماع.
«الوجه الثاني: أن النصوص مختلفة متعارضة فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعا، و رعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه، فهو سبب الإتفاق المطلوب شرطا فكان اتباعه أولى، و قد قال عزّ و جلّ: وَ اِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اَللََّهِ جَمِيعاً وَ لاََ تَفَرَّقُوا[2] ، إِنَّ اَلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كََانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ[3] ؛ و قال عليه السلام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» ، و قد قال عزّ و جلّ في مدح الإجتماع: وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مََا فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً مََا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لََكِنَّ اَللََّهَ أَلَّفَ