فسكنت نفسي قليلا، و لقط الغلمان ما كان تحت النخلة. و جاء بعدهم محمّد فلم ير تحتها شيئا، فصار إليها و وقف تحتها، و كانت باسقة، فأومأ بيده إليها، فانثنت بعراجينها حتى كادت تلحق بثمارها الأرض، فلقط منها ما أراد ثم رفع يده و أومأ إليها، فرجعت، و حسبني راقدة.
قالت: و كنت مضطجعة، فلما رأيت ذلك استطير في روعي، و لم أملك نفسي فأتيت أبا طالب فخلوت به، فقلت له: كان من أمر محمّد (صلّى اللّه عليه و آله) كيت و كيت.
فقال: مهلا يا فاطمة لا تذكري من هذا شيئا فانّه حلم و أضغاث.
فقلت: كلا و اللّه، بل هو حقّ يقين في يقظة لا في نوم، و رأي العين لا رؤيا، و اني لأرجو اللّه أن يحقّق ظنّي فيه و ان يكون الذي بشّرت بتربيته و وعدت الفوز عند كفالته.
فكانت فاطمة لا تفارق رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في ليل و لا نهار، و لا تغفل عنه و عن خدمته و تفقّد مطعمه فكان (صلّى اللّه عليه و آله) يسمّيها أمي، و هجرت الأصنام، و قطّعت القربان إليها من الذبائح في الأعياد تسأل الولد. و تسلّت برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و التبني له و خدمته عن كلّ شيء. فلما قطعت عادتها، وجد عليها السدنة من ذلك و منعوها من الدخول على الصنم الأعظم، و كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يحضر قريشا في مشاهدهم كلّها غير السجود للأصنام، و الذبائح للأنصاب، و في حال شرب الخمر و وصف الشعر، و قول الزور، فانّه كان يجتنبهم مذ كان طفلا حتى استكمل فدخل يوما على سادن من سدنة الأصنام، فقال له: لم تعتب على أمي فاطمة و تمنعها من زيارة هذه الأحجار المؤثرة فينا الاعتبار؟.
فقال له السادن: لأنها أتت بأمور متشابهة، و قطعت بر الآلهة، و هي لمن عبدها نافعة، و لمن جاء إليها شافعة، و ستعلم ابنة أسد انها لا ترزقها ولدا.
فقال له النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): أ أصنام ترزقكم الولدان، و تأتيكم بالغيث عند المحل في السنوات الشداد؟.
قال له السادن: نعم! أو ما علمت نحن نحمد ذلك عند الأصنام عاجلا في الفاقة و آجلا مدّخرا.