تَتَرَّسُوا بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُوصَلْ إلَى قَتْلِهِمْ إلَّا بِقَتْلِ الْأُسَارَى لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ ، فَإِنْ أَفْضَى الْكَفُّ عَنْهُمْ إلَى الْإِحَاطَةِ بِالْمُسْلِمِينَ تَوَصَّلُوا إلَى الْخَلَاصِ مِنْهُمْ كَيْفَ أَمْكَنَهُمْ وَتَحَرَّزُوا أَنْ يَعْمِدُوا إلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ فِي أَيْدِيهِمْ ، فَإِنْ قُتِلَ ضَمِنَهُ قَاتِلُهُ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ إنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَضَمِنَ الْكَفَّارَةَ وَحْدَهَا إنْ لَمْ يَعْرِفْهُ .وَيَجُوزُ عَقْرُ خَيْلِهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا وَمَنَعَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ عَقْرِهَا ، وَقَدْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ فَرَسَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ وَاسْتَعْلَى عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ فَرَآهُ ابْنُ شَعُوبٍ فَبَرَزَ إلَى حَنْظَلَةَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ السَّرِيعِ :لَأَحْمِيَنَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي * بِطَعْنَةٍ مِثْلِ شُعَاعِ الشَّمْسِ ثُمَّ طَعَنَ حَنْظَلَةَ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ مِنْهُ فَخَلَصَ أَبُو سُفْيَانَ وَهُوَ يَقُولُ مِنْ الطَّوِيلِ :وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ * لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ أُقَاتِلُهُمْ طُرًّا وَأَدْعُو لِغَالِبٍ * وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ وَلَوْ شِئْتُ نَجَّانِي حِصَانٌ طِمِرَّةٌ * وَلَمْ أَحْمِلْ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ شَعُوبٍ فَقَالَ مُجِيبًا لَهُ حِينَ لَمْ يَشْكُرْهُ مِنْ الطَّوِيلِ :لَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي * لَأُلْفِيتَ يَوْمَ النَّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ وَلَوْلَا مَكَرُّ الْمُهْرِ بِالنَّعْفِ قَرْقَرَتْ * ضِبَاعٌ عَلَى أَوْصَالِهِ وَكَلِيبِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَعْقِرَ فَرَسَ نَفْسِهِ .فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اقْتَحَمَ يَوْمَ مُؤْتَةَ بِفَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ حَتَّى الْتَحَمَ الْقِتَالُ ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَعَقَرَهَا وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فَرَسَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْقِرَ فَرَسَهُ لِأَنَّهُ قُوَّةٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِعْدَادِهَا فِي جِهَادِ عَدُوِّهِ حَيْثُ يَقُولُ : * ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) * .وَجَعْفَرٌ إنَّمَا عَقَرَ فَرَسَهُ بَعْدَ أَنْ أُحِيطَ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَقْرُهُ لَهَا لِئَلَّا يَتَقَوَّى بِهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَارَ عَقْرُهَا مُبَاحًا كَعُقْرِ خَيْلِهِمْ وَإِلَّا فَجَعْفَرٌ أَحْفَظُ لِدِينِهِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ ، وَلَمَّا عَادَ جَيْشُهُ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التُّرَابَ وَيَقُولُونَ يَا فُرَّارُ لِمَ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ بِفِرَارٍ ، وَلَكِنَّهُ الْكِرَارُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .