لَأَهْلٌ وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ فِيهِ دُعَابَةٌ وَإِنِّي لَأُرَاهُ لَوْ تَوَلَّى أَمْرَكُمْ لَحَمَلَكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنْ الْحَقِّ تَعْرِفُونَهَا ، قَالَ قُلْتُ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ لَوْ فَعَلْتُ لَحَمَلَ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ ثُمَّ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْعَرَبُ حَتَّى تَضْرِبَ عُنُقَهُ ، وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَفَعَلُوا ؛ قَالَ فَقُلْتُ فَطَلْحَةُ ؟ قَالَ إنَّهُ لَزَهْوٌ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُوَلِّيَهُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا يَعْلَمُ مِنْ زَهْوِهِ ، قَالَ قُلْتُ فَالزُّبَيْرُ ؟ قَالَ إنَّهُ لَبَطَلٌ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الصَّاعِ وَالْمُدِّ بِالْبَقِيعِ بِالسُّوقِ أَفَذَاكَ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ فَقُلْتُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ؟ قَالَ لَيْسَ هُنَاكَ إنَّهُ لَصَاحِبُ مَقْتَبٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ ؛ فَأَمَّا وَلِيُّ أَمْرٍ فَلَا ، قَالَ فَقُلْتُ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ؟ قَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ ذَكَرْتَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ، إنَّهُ وَاَللَّهِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إلَّا الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ اللَّيِّنُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ ، وَالْمُمْسِكُ مِنْ غَيْرِ بُخْلٍ ، وَالْجَوَادُ فِي غَيْرِ إسْرَافٍ .قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا جَرَحَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَآيِسَ الطَّبِيبَ مِنْ نَفْسِهِ وَقَالُوا لَهُ اعْهَدْ جَعَلَهَا شُورَى فِي سِتَّةٍ وَقَالَ : هَذَا الْأَمْرُ إلَى عَلِيٍّ وَبِإِزَائِهِ الزُّبَيْرُ ، وَإِلَى عُثْمَانَ وَبِإِزَائِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَإِلَى طَلْحَةَ وَبِإِزَائِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، فَلِمَا جَازَ الشُّورَى بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عَلِيٍّ ، وَقَالَ طَلْحَةُ جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عُثْمَانَ ، وَقَالَ سَعْدٌ جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَصَارَتْ الشُّورَى بَعْدَ السِّتَّةِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَخَرَجَ مِنْهَا أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَنَجْعَلُهُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ عَلَيْهِ شَهِيدٌ لِيَحْرِصَ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتَجْعَلُونَهُ إلَيَّ وَأُخْرِجُ نَفْسِي مِنْهُ وَاَللَّهُ عَلَيَّ شَهِيدٌ عَلَى أَنِّي لَا آلُوكُمْ نُصْحًا فَقَالَا نَعَمْ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَصَارَتْ الشُّورَى بَعْدَ السِّتَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ ثُمَّ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فِي اثْنَيْنِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ ثُمَّ مَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَسْتَعْلِمَ مِنْ النَّاسِ مَا عِنْدَهُمْ فَلَمَّا أَجَنَّهُمْ اللَّيْلُ اسْتَدْعَى الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَأَشْرَكَهُ مَعَهُ ثُمَّ حَضَرَ فَأَخَذَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُهُودَ أَيُّهُمَا بُويِعَ لَيَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَلَئِنْ بَايَعَ لِغَيْرِهِ لَيَسْمَعَنَّ وَلَيُطِيعَنَّ ثُمَّ بَايَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ .فَكَانَتْ الشُّورَى الَّتِي دَخَلَ أَهْلُ الْإِمَامَةِ فِيهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا أَصْلًا فِي انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ بِالْعَهْدِ وَفِي انْعِقَادِ الْبَيْعَةِ بِعَدَدٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِمَامَةُ لِأَحَدِهِمْ بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُجْعَلَ شُورَى فِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانُوا عَدَدًا مَحْصُورًا .وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنْ لَا تُجْعَلَ الْإِمَامَةُ بَعْدَهُ فِي غَيْرِهِمْ ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ بِالِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِهِمْ جَازَ لِمَنْ أَفْضَتْ إلَيْهِ الْإِمَامَةُ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ إذَا جَعَلَهَا الْإِمَامُ شُورَى فِي عَدَدٍ أَنْ يَخْتَارُوا أَحَدَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَخْلِفِ الْعَاهِدِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الِاخْتِيَارِ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ أَحَقُّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا ، فَإِنْ خَافُوا انْتِشَارَ