ومن الواضح : أن التداول بمعناه المادي نوع من عمليات الإنتاج . لأن نقل الثروة من مكان إلى مكان يخلق في كثير من الأحيان منفعة جديدة ويعتبر تطويراً للمادة إلى شكل أفضل بالنسبة إلى حاجات الانسان ، سواء كان النقل عمودياً - كما في الصناعات الاستخراجية ، التي يمارس الإنتاج فيها عملية نقل المواد الأولية من أعماق الأرض إلى سطحها - أو أفقياً كما في نقل السلع المنتجة إلى الأماكن القريبة من المستهلكين ، واعدادها في متناول أيديهم ، فإن نقلهم بهذا الشكل نوع من التطوير إلى شكل أفضل ، بالنسبة إلى حاجات الانسان . وأما التداول بمعناه القانوني ، ونقل الحقوق أو الملكية من فرد لآخر ، كما نشاهد في عمليات التجارة ، فهو بوصفه عملية قانونية لابد أن يكتسب مفهومه ، وتحدد علاقته بالإنتاج على أساس مذهبي . ولهذا يمكننا أن ندرس رأس الإسلام في الصلة بين الإنتاج والتداول وطبيعة العلاقة التي يقيمها بينهما في مخططه المذهبي العام . ومفهوم الإسلام عن التداول وصلته بالإنتاج مذهبياً لا يساهم في تصور مذهبي شمل فحسب ، بل يلعب أيضاً دوراً مهماً في وضع السياسة العامة في مجال التداول وملء الفراغ الذي تركه الإسلام للدولة لكي تملأ حسب الظروف . مفهوم الإسلام عن التداول : والذي يبدو من دراسة نصوص المفاهيم والأحكام ، واتجاهها التشريعي العام : ان التداول في نظر الإسلام من حيث المبدأ شعبة من الإنتاج ، ولا ينبغي أن ينفصل عن مجاله العام . وهذا المفهوم الإسلام ، الذي سوف نلمحه في عدة نصوص وأحكام يتفق تماماً مع قصة التداول تاريخياً ونشوئه ، والحاجات الموضوعية التي ولدته . فان التداول في أكبر الظن لم يكن موجوداً على نطاق واسع في المجتمعات التي كان كل فرد فيها يكتفي عادة بما ينتجه مباشرة ، في إشباع حاجاته البسيطة .