وقد درسنا هذه النظرية الماركسية بإسهاب ، في الكتاب الأول من اقتصادنا ، واستطعنا أن نخرج من دراستنا بنتائج معاكسة للنظرية ، تدينها فلسفياً وعلمياً ، وتبرهن على عجزها عن تفسير التاريخ [1] . كما عرفنا في بعض البحوث السابقة موقف الإسلام من هذه النظرية ، ورفضه تبعية التوزيع لشكل الإنتاج [2] . توجيه الإنتاج لضمان عدالة التوزيع : والإسلام حين ينكر تبعية التوزيع لأشكال الإنتاج ، وتكيفه تبعاً لها بقوة القانون الطبيعي للتاريخ ، كما تزعم الماركسية ، لا يقطع الصلة بالمرة بين التوزيع وشكل الإنتاج . ولكن الصلة في رأس الإسلام بين التوزيع والإنتاج ليست علاقة تبعية موفقاً لقانون طبيعي ، وإنما هي صلة يفرضها المذهب ، ويحدد فيها الإنتاج لحساب التوزيع ، بدلاً عن تكييف التوزيع طبقاً لحاجات الإنتاج ، كما تقرره النظرية الماركسية . وتقوم الفكرة في هذه الصلة على أساس النقاط التالية : أولاً : إن الاقتصاد الإسلامي يعتبر قواعد التوزيع التي جاء بها ثابتة وصالحة في كل زمان ومكان [3] ، لا يختلف في ذلك عصر الكهرباء والذرة عن عصر البخار ، ولا عصر البخار عن عصر الطاحونة الهوائية والعمل اليدوي . فعلى كل هذه العصور مثلا - تصح القاعد القائلة : إن من حق العام أن يقطف ثمار عمله . وثانياً : إن عمليات الإنتاج التي يمارسها الفرد ، تعتبر مرحلة تطبيق لتلك القواعد العامة في التوزيع [4] . فإحياء الأرض الميتة ، واستنباط عين الماء واقتطاع الخشب ، واستخراج المعادن ، كلها عمليات إنتاج . وهي في نفس الوقت تؤدي إلى تطبيق القواعد العامة للتوزيع على الثروات المنتجة . فمجال الإنتاج إذن هو ظرف تطبيق قواعد التوزيع .
[1] راجع ص 53 - 238 من الكتاب . [2] راجع ص 321 - 330 من الكتاب . [3] جواهر الكلام ج 36 ، ص 202 و 203 وسفينة البحار ج 1 ، ص 299 . [4] لاحظ جواهر الكلام ج 36 ، ص 209 و 222 .