تكون اختياراً ، وليست إبداعاً ، فهي تحرر في نطاق الاجتهادات المختلفة ، وليست تحرراً كاملاً . وقد مارس هذا الكتاب في بحوث سابقة ، وسيمارس في بحوث مقبلة هذا المجال الذاتي ، كما ألمعنا إلى ذلك في المقدمة [1] . فليس كل ما يعرض من أحكام في هذا الكتاب ، وتبنى ويستدل عليه ، نتيجة لاجتهاد المؤلف شخصياً . بل قد يعرض في بعض النقاط لما لا يتفق مع اجتهاده ، ما دام يعبر عن وجهة نظر اجتهادية أخرى ، تحمل الطابع الإسلامي والصفة الشرعية . وأود أن أؤكد بهذه المناسبة على : أن ممارسة هذا المجال الذاتي ، ومنح الممارس حقاً في الاختيار ضمن الإطار العام للاجتهاد في الشريعة . . قد يكون أحياناً شرطاً ضرورياً من الناحية الفنية لعملية الاكتشاف التي يحاولها هذا الكتاب ، وليس أمراً جائزاً فحسب ، أو لونا من الترف والتكاسل عن تحمّل أعباء ومشاق الاجتهاد في أحكام الشريعة . فإن من المستحيل في بعض الحالات اكتشاف النظرية الإسلامية والقواعد المذهبية في الاقتصاد ، شاملة كاملة منسجمة مع بناءها العلوي وتفصيلاته التشريعية وتفريعاتها الفقهية إلا على أساس المجال الذاتي للاختيار . وأنا أقول هذا نتيجة لتجربة شخصية عشتها في فترة إعداد هذا الكتاب ، ولعل من الضروري أن أجليها هنا لأبرز إحدى المشاكل التي يعانيها البحث في الاقتصاد الإسلامي غالباً ، وطريقة تغلّب هذا الكتاب عليها بممارسة المجال الذاتي الآنف الذكر الذي منح لنفسه حق ممارسته . فمن المتفق عليه بين المسلمين اليوم : أن القليل من أحكام الشريعة الإسلامية هو الذي لا يزال يحتفظ بوضوحه وضرورته وصفته القطعية ، بالرغم من هذه القرون المتطاولة التي تفصلنا عن عصر التشريع . وقد لا تتجاوز الفئة التي تتمتع بصفة قطعية من أحكام الشريعة ، الخمسة في المئة من مجموع الأحكام التي نجدها في الكتب الفقهية .