وأما الثروات العامة فهي : كل مال لم تتدخل اليد البشرية فيه كالأرض ، فإنها مال لم تصنعه اليد البشرية ، والإنسان وإن كان يتدخل أحياناً في تكييف الأرض بالكيفية التي تجعلها صالحة للزراعة والاستثمار ، غير أن هذا التكييف محدود مهما فرض أمده ، فان عمر الأرض أطول منه ، فهو لا يعدو أن يكون تكييفاً لفترة محدودة من عمر الأرض . وتشابه الأرض في ذلك رقبة المعادن والثروات الطبيعية الكامنة فيها ، فان مادة هذه المعادن الكامنة في الأرض ليست مدينة للعمل البشري في تكوينها أو تكييفها ، وإنما يتدخل العمل في الكميات المستخرجة منها ، التي ينفق جهد في سبيل إخراجها وفصلها عن بقية المواد الأرضية . وهذه الثروات العامة بحسب طبيعتها - أو عنوانها الأولي كما يقول الفقهاء - ليست مملوكة ملكية خاصة لفرد من الأفراد لأن أساس الملكية الخاصة هو العمل ، فالأموال التي لا يمتزج بها العمل لا تدخل في المجال المحدد للملكية الخاصة ، وإنما هي أموال مباحة إباحة عامة أو مملوكة ملكية عامة . فالأرض مثلاً ، بوصفها مالاً لا تدخّل للعمل البشري فيه - لا تملك ملكية خاصة . والعمل الذي يبذل في إحياء الأرض وإعدادها ، لما كان تكييفاً مؤقتاً بمدة محدودة أقصر من عمر الأرض . . فهو لا يدرج الأرض في مجال الملكية الخاصة ، وإنما يجعل للعامل حقاً في الأرض يسمح له بالانتفاع بها ، ومنع الآخرين من مزاحمته في ذلك ، لأنه يمتاز عليهم بما انفق على الأرض من طاقة . فمن الظلم أن يساوى بين الأيدي التي عملت وتعبت ، وبين أيد أخرى لم تعمل في الأرض ولم تتعب في سبيلها فلأجل ذلك ميز العامل بحق في الأرض دون أن يسمح له بتملكها ، ويستمر هذا الحق ما دامت الأرض متكيفة وفقاً لعمله ، فإذا أهمل الأرض سقط حقه الخاص . وهكذا يتضح أن القاعدة العامة هي : أن الملكية الخاصة لا تظهر إلا في الأموال التي امتزجت في تكوينها وتكييفها بالعمل البشري ، دون الأموال والثروات الطبيعية التي لم تمتزج بالعمل ، لأن سبب الملكية الخاصة هو العمل ، فما لم يكن المال مندرجاً