والإنسانية على الصعيد البشري - وهي تقاسي أشد ألوان القلق والتذبذب بين تيارين عالميين ملغمين بقنابل الذرة والصواريخ ووسائل الدمار - لن تجد لها خلاصا إلا على الباب الوحيد الذي بقي مفتوحا من أبواب السماء ، وهو الإسلام . ولنأخذ في هذه المقدمة ، الصعيد الإسلامي بالحديث . على الصعيد الإسلامي : حينما أخذ العالم الإسلامي ينفتح على حياة الإنسان الأوروبي ويذعن لإمامته الفكرية وقيادته لموكب الحضارة ، بدلا عن إيمانه برسالته الأصلية ، وقيمومتها على الحياة البشرية ، بدأ يدرك دوره في الحياة ضمن إطار التقسيم التقليدي لبلاد العالم الذي درج عليه الإنسان الأوروبي ، حين قسم العالم على أساس المستوي الاقتصادي للبلد وقدرته المنتجة إلى : بلاد راقية اقتصاديا وبلاد فقيرة أو متخلفة اقتصاديا ، وكانت بلاد العالم الإسلامي كلها من القسم الثاني الذي كان يجب عليه - في منطق الإنسان الأوروبي - أن يعترف بإمامة البلاد الراقية ويفسخ المجال لها لكي تنفث روحها فيه وتخطط له طريق الارتفاع . وهكذا دشن العالم الإسلامي حياته مع الحضارة الغربية ، بوصفه مجموعة من البلاد الفقيرة اقتصاديا ، ووعى مشكلته على أساس أنها هي التخلف الاقتصادي عن مستوى البلاد المتقدمة ، الذي أتاح لها تقدمها الاقتصادي زعامة العالم ولقنته تلك البلاد المتقدمة : أن الأسلوب الوحيد للتغلب على هذه المشكلة والالتحاق بركب البلاد المتقدمة ، هو اتخاذ حياة الإنسان الأوروبي تجربة رائدة وقائدة وترسم خطوات هذه التجربة لبناء اقتصاد كامل شامل قادر على الارتفاع بالبلاد الإسلامية المتخلفة إلى مستوى الشعوب الأوروبية الحديثة . وقد عبرت التبعية في العالم الإسلامي لتجربة الإنسان الأوروبي الرائد للحضارة الحديثة عن نفسها بأشكال ثلاثة مترتبة زمنيا ، ولا تزال هذه الأشكال الثلاثة متعاصرة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي :