في اختلاف غذاء الحيوان أيضا على حسب اختلاف أعضائه [1] قد كنا بينا في المقالة الأولى من كتابنا هذا : أن أعضاء الحيوان تختلف من جهات : إما من تركيبها ، وإما من مزاجاتها ، وإما من مواضعها ، وإما من حركاتها وسكونها . فأما اختلافها في تركيبها فيكون على ثلاثة [2] ضروب : لان منها الكثير الشحم القريب من مغيض [3] الأثفال والرطوبات مثل البطن وما يحويه . ومنها القليل الشحم البعيد من مغيض الأثفال والرطوبات مثل الصلب والرقبة والأفخاذ وما شاكل ذلك . ومنها المتوسط بين هاتين المرتبتين مثل الأجناب والخواصر وما شاكلها . فما كان منها أكثر شحما كان أبعد انهضاما وأسرع انحدارا وأطلق للبطن وأردأ للمعدة وأفسد غذاء وأقرب من تولد البلغم اللزج ، لا سيما إذا كان من حيوان أرطب بالطبع مثل الضأن ، لان ما كان من حيوان كذلك ، كان أغلظ وأكثر لزوجة وأذم غذاء . وما كان من الأعضاء أقل شحما ، كان ألطف وأقل لزوجة وأسرع انهضاما وأصلح للمعدة وأحمد غذاء وأقرب من تولد الدم المحمود ولا سيما إذا كان من حيوان أعدل مزاجا وأخصب لحما وأكثر دسما ، لأنه ما كان من حيوان كذلك ، كان أفضل وأكثر غذاء . وما كان من الأعضاء متوسطا بين هاتين المرتبتين ، كان أحد من كل واحد منهما بقسطه على حسب قربه من كل واحد منهما وبعده منها أو توسطه بينهما توسطا متكافئا . وأما اختلاف غذاء الأعضاء من قبل طبيعتها ومزاجها فيكون على ضروب : لان منها ما هو أيبس
[1] في الأصل : أعطائه . [2] في الأصل : ثلاث . [3] غاض الماء : قل فنضب ، أو غار فذهب فهو مغيض .