الوجه الأول من الباب الثالث في معرفة الأغذية من طعومها ومذاقاتها فأما طعوم الأغذية فإنها تنقسم قسمة أولية على ضربين : لان منها ما يفعل في حاسة الذوق ويؤثر فيها ، ومنها ما لا يفعل بالحاسة شيئا ولا يؤثر فيها . وما لا يفعل فهو الملقب بالتفه . وهو على ضربين : إما جسما مركبا مثل بياض البيض وما شاكله ، وإما جسما بسيطا مثل الماء وسائر العناصر . فإن كان جسما مركبا كان دليلا على تكافؤ القوتين الفاعلتين فيه . أعني بالقوتين الفاعلتين : الحرارة والبرودة . ولذلك صار توسط الحرارة والبرودة توسطا بينا ، أو أميل إلى البرودة قليلا . وأما الكيفيتان المنفعلتان [1] ، أعني الرطوبة واليبوسة فتختلفان فيه على حسب غلظ رطوبته الجوهرية ولطافتها وتوسطها الغلظ واللطافة من قبل أن جوهر الرطوبة متى كان أرضيا غليظا ، كان الشئ في طبيعته يابسا مجففا ، ونسب إلى البرودة واليبوسة مثل التوتياء والشادنة والاسفيداج [2] وما شاكل ذلك . ومتى كان جوهر الرطوبة لطيفا هوائيا ، صار الشئ دهنا دسما ونسب إلى التوسط بين الكيفيات الأربع مثل الزيت العذب المعروف بالانفاق . ومتى كان جوهر الرطوبة متوسطا بين اللطافة والغلظ ، صار الشئ متوسطا بين ما يشد ويرخي ، ونسب إلى البرودة والرطوبة ، مثل بياض البيض والجبن الطري . وقد يختلف هذا الصنف فيما وصفناه به على حسب انحراف الرطوبة وميلها إلى إحدى الحاشيتين دون الأخرى ، لأنها متى كانت مائلة إلى الحاشية الأولى قريبة من الغلظ ، صار الشئ لزجا مغريا مثل الكمثرى والنشاستج . ومتى كانت مائلة إلى الحاشية الأخرى قريبة من اللطافة ، صار الشئ ملينا مثل الشمع المذاب والسمين من اللحم . فأما إن كان ما لا يفعل في حاسة الذوق جسما بسيطا ، لم يكن له أن يؤثر في حاسة الذوق شيئا ، لأنه بسيط والحاسة مركبة . والبسيط لا يفعل في المركب فعل المركب في المركب ، من قبل أن كل فاعل طبيعي ليس له أن يفعل إلا فيما كان مثله بالقوة ليخرجه إلى الفعل . ولا ينفعل أيضا إلا بما
[1] في الأصل : الكيفيتين المنفعلتين . [2] التوتياء : حيوان بحري ، بعض أنواعه يؤكل . والشادنة : حجر الدم كالياسمين والاسفيداج : كربونات الرصاص . ( معرب ) .