القول في الجاورس والدخن أما الجاورس فبارد في الدرجة الأولى ، يابس في آخر الدرجة الثانية ، أو قريب من الثالثة . ويستدل على يبسه من خفته وتجويف جسمه وقحله . وذلك أن ليس فيه لدونة ولا لزوجة ولا دسم يجمع بجسمه ، إلا أن فيه لطافة يسيرة . وإذا تناوله الانسان على سبيل الغذاء ، كان غذاؤه أقل من سائر الحبوب التي يتخذ منها الخبز ، لان الدم المتولد عنه قليل جاف [1] غير محمود ، إلا أنه ليبسه ، صار مقويا للمعدة ولسائر الأعضاء . ولذلك صار حابسا للبطن . وزعم ديسقوريدوس أنه يدر البول . وإذا قلي وحمل على البطن وهو حار ، نفع من المغص . ولما ذكرنا من قلة غذائه وكثرة قحله وجفافه ، وجب أن لا يستعمله من كان محتاجا إلى أن يزيد في بدنه دما محمودا . ولا يستعمله أيضا إلا من كان محتاجا إلى أن يبرد معدته ، ويجفف رطوبتها ، ويقويها . وأما الدخن ففي [2] منظره شبيه [3] بالجاورس وقوته شبيهة بقوته ، إلا أنه أقل غذاء منه وأكثر تجفيفا . ولذلك صار الجاورس في جميع أحواله أفضل لأنه ألذ طعما وألين جسما وأقل في عسر الانهضام من الدخن ، والدخن أقل منه غذاء ، وأكثر جفافا وقحلا . ولذلك صار أقل لذاذة وأعسر انهضاما من الجاورس . إلا أن فعله في حبس البطن أقوى كثيرا . وقد يتخذ كل واحد منهما على ضروب من الصنعة فيختلف فعله وغذاؤه ، وإن كان الجاورس أفضل في كل حال . وذلك أن منه ما يخلط معه دسم أو زيت ، ومنه ما يطبخ باللبن الحليب ، ومنه ما يطبخ بماء نخالة السميذ ودهن اللوز . وأفضل ما يستعمل بالدسم والزيت لان ذلك مما يزيل عنه قحله ويفيده لذاذة وحسن غذاء وسرعة انحدار ، إلا أنه يبطل خاصيته وفعله في حبس البطن لما يكسبه من الزلق والليانة . وأما ما يطبخ في اللبن الحليب أو بماء
[1] في الأصل : قليلا جافا . [2] في الأصل : في . [3] ذكر في التاج : الدخن بالضم : ( الجاورس ) ، كما في الصحاح وفى المحكم . ( حب الجاروس أو حب أصغر منه أملس جدا ) . ( مادة دخن ) .