responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأغذية والأدوية المؤلف : الإسرائيلي، إسحاق بن سليمان    الجزء : 1  صفحة : 187


وأما اختلاف الحنطة من قبل طبيعة بلدتها ، فيكون على أربعة ضروب : لان من البلدان ما هي في طبيعتها حارة يابسة جنوبية . ومنها ما هي في طبيعتها حارة رطبة شرقية . ومنها ما هي في طبيعتها باردة يابسة شمالية . ومنها ما هي في طبيعتها باردة رطبة غربية . فما كان من البلدان في طبيعته حارا يابسا جنوبيا ، كانت رطوبة حنطته المغذية لها قليلة يسيرة وحرارتها الغريزية ناقصة ضعيفة ، من قبل أن حرارة هواء البلد تنشف رطوبة الحنطة الجوهرية وتفني أكثرها وتخلخل جسمها وتفتح مسامه وتحلل بعضها حرارتها الغريزية منها ، فتنتقص الحرارة الغريزية في باطنها ، وتضعف عن هضم ما تحصل من غذائها ، وتصير الحنطة لذلك قحلة جافة صلبة قليلة الغذاء عسيرة الانهضام . وما كان من البلدان في طبيعته حارا رطبا شرقيا ، كان غذاء حنطته الذي يغتذى بها كثير الرطوبة ، لرطوبة هواء بلدتها . وما كان من الحنطة كذلك ، ضعفت حرارته الجوهرية عن هضم غذائه لكثرة الغذاء عليها ، ونشفت حرارة الهواء بقوتها أكثر رطوبة الحنطة الجوهرية ، وصارت لذلك سخيفة خفيفة قليلة الجوهر واللباب . وما كان من البلدان في طبيعته باردا رطبا ، كان كثير الطل [1] والندى ، وكانت كثرة طله ونداه زائدة [2] في الرطوبة المغذية للحنطة مع برد الهواء ، استرخت الحنطة ولانت ووصل برد الهواء إلى عمقها ، وأخمد حرارتها الغريزية ، وأضعفها عن هضم ما حصل منها من الغذاء وعجزت حرارة الهواء عن كشف شئ من رطوبتها لقوة بردها . وصار ذلك سببا وكيدا [3] لسخافة الحنطة ورخاوتها وكثرة قشورها ونخالتها وقلة جوهرها ولبابها .
وما كان من البلدان في طبيعته باردا يابسا جافا ، كان كثير الثلج والجليد ، غليظ الهواء . وإذا غلظ الهواء عسر نفوذه في رطوبته وفى جسم الحنطة لغلظها ، وقل ما يصل إليها من الغذاء ‹ و › استحصف ظاهر جسمها بقوة برد الهواء ويبسه وانحصرت الحرارة الغريزية في باطن الحنطة ، وقويت على طبخ غذائها على ما ينبغي وخفته عليها . وصار ذلك سببا قويا لاكتناز الحنطة ورزانتها وكثرة جوهرها ولبابها وقلة قشورها ونخالتها وحسن غذائها وجودة انهضامها .
وأما اختلاف الحنطة من قبل طبيعة الزمان الحاضر في مدة نباتها ، فيكون على ضروب : لان من الأزمنة ما يكون معتدلا شبيها بمزاج الربيع الطبيعي في اعتدال حرارته ورطوبته . ومنها ما يكون في ابتداء أمره معتدلا ثم يتغير وينتقل إلى فساد . فإن كان الزمان معتدلا ، كانت الحنطة فيه على غاية الكمال والسمن وكثرة الجوهر واللباب ، وإن كان الزمان حائدا عن الاعتدال ، لم تستكمل الحنطة ولم تتم ، وصار غذاؤها مذموما ، ويستدل على ما يخلفها من الفساد وما يلحقها من اختلاف هواء بلدتها .
وربما كانت الحنطة قد استكملت وتمت لاعتدال زمانها في الابتداء ، ثم رشت السماء بعد أن يكون الزمان قد سخن ، فلانت الحنطة لذلك ، وتمكن حر الهواء منها وغاص في باطنها وجففت رطوبتها الجوهرية فتحشفت وضمرت بما نالها من السموم . ولذلك يعرض لها إذا هبت عليها ريح عاصف حارة يابسة في وقت



[1] الطل : المطر الضعيف .
[2] في الأصل : زائدا .
[3] وكد وأكد العهد والامر : أوثقه وشده . وبالواو أفصح .

اسم الکتاب : الأغذية والأدوية المؤلف : الإسرائيلي، إسحاق بن سليمان    الجزء : 1  صفحة : 187
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست