responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 29


قال علي : وهذا دليل برهاني ضروري من أدلة حدوث النوع الانساني ، ومن أدلة وجود الواحد الخالق الأول تبارك وتعالى ، ومن أدلة وجود النبوة والرسالة لأنه لا سبيل إلى بقاء أحد من الناس ووجوده دون كلام ، والكلام حروف مؤلفة ، والتأليف فعل فاعل ضرورة لا بد له من ذلك ، وكل فعل فعله فله زمان ابتدئ فيه ، لان الفعل حركة تعدها المدد ، فصح أن لهذا التأليف أولا ، والانسان لا يوجد دونه . وما لم يوجد قبل ما له أول فله أول ضرورة ، فصح أن للمحدث محدثا بخلافة ، وصح أن ما علم من ذلك مما هو مبتدأ من عند الخالق تعالى مما ليس في الطبيعة معرفته دون تعليم فلا يمكن البتة معرفته إلا بمعلم علمه الباري إياه . ثم علم هو أهل نوعه ما علمه ربه تعالى .
قال علي : وأيضا فإن الاصطلاح على وضع لغة لا يكون ضرورة إلا بكلام متقدم بين المصطلحين على وضعها . أو بإشارات قد اتفقوا على فهمها . وذلك الاتفاق على فهم تلك الإشارات لا يكون إلا بكلام ضرورة ومعرفة حدود الأشياء وطبائعها التي عبر عنها بألفاظ اللغات لا يكون إلا بكلام وتفهيم . لابد من ذلك . فقد بطل الاصطلاح على ابتداء الكلام . ولم يبق إلا أن يقول قائل :
إن الكلام فعل الطبيعة .
قال علي : وهذا يبطل ببرهان ضروري . وهو أن الطبيعة لا تفعل إلا فعلا واحدا لا أفعالا مختلفة ، وتأليف الكلام فعل اختياري متصرف في وجوه شتى .
وقد لجأ بعضهم إلى نوع من الاختلاط ، وهو أن قال : إن الأماكن أوجبت بالطبع على ساكنيها النطق بكل لغة نطقوا بها .
قال علي : وهذا محال ممتنع ، لأنه لو كانت اللغات على ما توجبه طبائع الأمكنة لما أمكن وجود كل مكان إلا بلغته التي يوجبها طبعه . وهذا يرى بالعيان بطلانه لان كل مكان في الأغلب قد دخلت فيه لغات شتى على قدر تداخل أهل اللغات ومجاورتهم . فبطل ما قالوا : وأيضا فليس في طبع المكان أن يوجب تسمية الماء ماء دون أن يسمى باسم آخر مركب من حروف الهجاء . ومن كابر في هذا ، فإما مجاهر بالباطل وإما عديم عقل ، لا بد له من أحد هذين الوجهين . فصح أنه توقيف من أمر الله عز وجل وتعليم منه تعالى .

اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 29
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست