responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 27


والتقليد ، وثبت أن الخبر لا يعلم صحته بنفسه ، ولا يتميز حقه من كذبه ، وواجبه من غير واجبه ، إلا بدليل من غيره ، فقد صح أن المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها ، وصح أن العقل إنما هو مميز بين صفات الأشياء الموجودات ، وموقف للمستدل به على حقائق كيفيات الأمور الكائنات ، وتمييز المحال منها .
وأما من ادعى أن العقل يحلل أو يحرم ، أو أن العقل يوجد عللا موجبة لكون ما أظهر الله الخالق تعالى في هذا العالم من جميع أفاعيله الموجود فيه من الشرائع وغير الشرائع ، فهو بمنزلة من أبطل موجب العقل جملة . وهما طرفان أحدهما أفرط فخرج عن حكم العقل ، والثاني قصر فخرج عن حكم العقل ، ومن ادعى في العقل ما ليس فيه كمن أخرج منه ما فيه ، ولا فرق . ولا نعلم فرقة أبعد من طريق العقل من هاتين الفرقتين معا ، إحداهما : التي تبطل حجج العقل جملة . والثانية : التي تستدرك بعقولها على خالقها عز وجل أشياء لم يحكم فيها ربهم بزعمهم ، فثقفوها هم ورتبوها رتبا أوجبوا أن لا محيد لربهم تعالى عنها ، وأنه لا تجري أفعاله عز وجل إلا تحت قوانينها .
لقد افترى كلا الفريقين على الله عز وجل إفكا عظيما ، وأتوا بما تقشعر منه جلود أهل العقول . وقد بينا أن حقيقة العقل إنما هي تمييز الأشياء المدركة بالحواس وبالفهم ومعرفة صفاتها التي هي عليها جارية على ما هي عليه فقط من إيجاب حدوث العالم ، وأن الخالق واحد لم يزل ، وصحة نبوة من قامت الدلائل على نبوته ، ووجوب طاعة من توعدنا بالنار على معصيته ، والعمل بما صححه العقل من ذلك كله ، وسائر ما هو في العالم موجود ، مما عدا الشرائع ، وأن يوقف على كيفيات كل ذلك فقط . فأما أن يكون العقل يوجب أن يكون الخنزير حراما أو حلالا ، أو يكون التيس حراما أو حلالا ، أو أن تكون صلاة الظهر أربعا وصلاة المغرب ثلاثا أو أن يمسح على الرأس في الوضوء دون العنق ، أو أن يحدث المرء من أسفله فيغسل أعلاه ، أو أن يتزوج أربعا ولا يتزوج خمسا ، أو أن يقتل من زنى وهو محصن وإن عفي عنه زوج المرأة وأبوها ولا يقتل قاتل النفس المحرمة عمدا إذا عفا عنه أولياء المقتول .
أو أن يكون الانسان ذا عينين دون أن يكون ذا ثلاثة أعين أو أربع ، أو أن تخص

اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : ابن حزم    الجزء : 1  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست