اسم الکتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم المؤلف : التهانوي، محمد علي الجزء : 0 صفحة : 9
إشكاليّة المصطلح بين اللّفظ و المعنى
تمهيد:
إنّ التصورات الذهنية و محصّلات الأفكار الكشفية الصادرة عن العقل و
الفهم، و الوجدانيات المعنوية المنبعثة من النفس، لا يمكنها جميعا أن تتحقق عند
صاحبها و منه إلى غيره ببيان فراغي، كمثل القابض على الماء، بل لا بدّ لها من أن
تتحقّق و تتعيّن و تتشيّأ إشارات و رموزا بنزولها و انسكابها في أنواع من الألفاظ
و أنماط من الصيغ تشكل في جملتها بنيانا لغويا له خصائصه و طبعه و جبلته و سيرورة
تكونه و تحوّله في بعدي التاريخ و النسق الداخلي لبنيته، علما أنّ هذه البنية قد
اكتسبت وحدتها و ضبطها و تعقّدها بضوء التجربة المعرفية التي خاضها الناطقون بهذه
اللغة و المعبّرون بتلك الألفاظ و الأسماء.
و لعلّ العربية، لغة الضاد، من أشد اللغات جمعا لهذين البعدين:
السيرورة التاريخية، و نسق البنية الخاص، إذ إنّ لغات العالم بمعظمها مهما غزرت
تجربتها أو تحدّدت تتمتع كل منها ببنية لها ميزاتها بحسب معطيات منهج اللغويات
العصري و الدراسات الأنسية الحادثة. فالعربية أسوة بغيرها لها بنيتها و ميزاتها،
إلا أنّ للعربية خاصيّة بارزة على سواها تختص في أثر البعد التاريخي في تكوّن
الأسماء و الألفاظ و استمرار تأثيره على المفردات و الأسماء باتصال من غير انقطاع
و قطع. و لهذا كله كانت دراسة الحقل الدلالي لألفاظ العربية و أسمائها ترتدي أهمية
و أهدافا معرفية عدة.
إن هذه المفردات و الأسماء قد استعملت قوالب للفكر و الفهم و
الاذتهان و العرفان على امتداد عشرات القرون في مسار الناطقين بالعربية التاريخي،
لهذا فهي محصّلة و نتاج جهود أجيال و حضارات عدة.
اسم الکتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم المؤلف : التهانوي، محمد علي الجزء : 0 صفحة : 9