اسم الکتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم المؤلف : التهانوي، محمد علي الجزء : 0 صفحة : 12
بادت أو تمّ تخطيها، و عن تجارب معرفية و وجدانية فقدت تأثيرها، حلقة
وصل ضرورية في حياة اللغة، و مرحلة تواصل ذهني مع ما هو قابع و أداة فهم استقطابا
للجديد بخيط دلالي يصل الماضي بالحاضر، لا تنفك العربية عنه.
حقول دلالة العربية:
إنّ العربية بمفرداتها و الأسماء عبّرت عن جملة معطيات و معان، فقد
كانت أداة للتعبير عن العرفان في كل معطاه الوجداني و العاطفي و اللاواعي، بمثل ما
كانت أداة فهم للاحساس الفطري الأول في حياة الناطقين بها. و من ثمّ انتقلت لتشكّل
اشارات و حروفا للفكر و التجريد، فاستعدّت لاستقبال معاني الغير. و هنا في خضم
إعمال العقل و الفهم و تلقّي المجردات من الخارج انسكبت كل تلك المعاني في قوالب
اللغة بعد تلقيها في الأذهان و انطباعها بها، و بالتالي تمّ اتسامها- تصورات
الغير- بطبع العربية أيضا و بنيتها، هذه العربية في مبناها لا تنفك عن ذهنية
صانعيها و ناطقيها.
و هكذا تنجدل الأمور برباط معقّد متفاعل بين ما في الأذهان و ما في
اللسان انطلاقا مما في الأصوات و الأعيان.
و لا بدّ من تمييز الذهن عن العقل، فالذهن في اللسن: «الفهم و العقل
... و حفظ القلب» [1]. إذا هو يجمع عملية الفهم و التفكير و
القلب، أي الوجدان و ما هو قابع في النفس بحسب المعطيات النفسية الحديثة، لذا كان
العقل تبعا لدلالة العربية: الجمع للأمر و الرأي، و الربط و التثبّت من الأمور. و
كان الذهن أوسع نطاقا من هذا، و هنا نتلاقى مع التمييز الفرنسي التقليدي بين العقل
المكوّن الفاعلla raison constituante و بين العقل المكوّن المنفعل المشيّد السائدla raison constituee . الأول يمثّل النشاط المخي الذي يقوم به الفكر بالربط و الجمع،
حيث يستخرج الانسان تصورات من ادراك العلاقات بين الأشياء. أما الثاني فهو مجموع
المبادئ و القواعد المعتمدة في التفكير أو الاستدلال
[2]. هذه القواعد تتأتّى من خارج فعل الفرد و فردية نشاط مخه.
لهذا هي أقرب لمعنى الذهن أي العقل المكوّن المشيّد الذي يمارس دوره
كاستعداد للادراك، أي إنّه محل المدركات. و هنا يتلاقى مع معنىMentalite بوجهته النفسية في بعض المناحي.