يَذْهَبُ إلَيْهِ وَهْمُ كَثِيرٍ مِنَ الْبَاحِثِينَ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، بَلْ يَحِقُّ عَلَيْكَ أنْ تَعْلَمَ أنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ شَىْءٌ آخَرُ: وَهُوَ أنَّهُ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ قِسْمَىِ الطِّبِّ إلّا عِلْماً، لَكِنْ أَحَدُهُمَا عِلْمُ أُصُولِ الطِّبِّ، [1] وَ الآخَرُ عِلْمُ كَيْفِيَّةِ مُبَاشَرَتِهِ. [2] ثُمَّ يُخَصُّ الأَوَّلُ مِنْهُمَا بِاسْمِ الْعِلْمِ، أوْ بِاسْمِ النَّظَرِ، وَ يُخَصُّ الآخَرُ بِاسْمِ الْعَمَلِ. فَنَعْنِى بِالنَّظَرِ مِنْهُ، مَا يَكُونُ التَّعْلِيمُ فِيهِ مُفِيداً لِاعْتِقَادٍ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَتَعَرَّضَ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ عَمَلٍ، مِثْلُ مَا يُقَالُ فِى الطِّبِّ: إنَّ أصْنَافَ الْحُمَّيَاتِ ثَلاثَةٌ، وَإنَّ الأَمْزِجَةَ تِسْعَةٌ. وَنَعْنِى بِالْعَمَلِ مِنْهُ، لا الْعَمَلَ بِالفِعْلِ، وَلا مُزَاوَلَةَ [3] الْحَرَكَاتِ [4] الْبَدَنِيَّةِ، بَلِ الْقِسْمَ مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ الَّذِى يُفِيدُ التَّعْلِيمُ فِيهِ رَأْياً، ذَلِكَ الرَّأْىُ مُتَعَلِّقٌ بِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ [5] عَمَلٍ مِثْلُ مَا يُقَالُ فِى الطِّبِّ، إنَّ الأوْرَامَ الْحَارَّةَ يَجِبُ أنْ يَقْرُبَ إلَيْهَا فِى الابْتِدَاءِ مَا يَرْدَعُ وَيُبَرِّدُ وَيُكَثِّفُ. [6] ثُمَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، تُمْزَجُ الرَّادِعَاتُ بِالْمُرْخِيَاتِ ثُمَّ بَعْدَ الانْتِهَاءِ إلَى الانْحِطَاطِ، يُقْتَصَرُ عَلَى الْمُرْخِيَاتِ الْمُحَلِّلَةِ، إلّا فِى أَوْرَامٍ تَكُونُ عَنْ مَوَادَّ تَدْفَعُهَا الأَعْضَاءُ الرَّئِيسَةُ. فَهَذَا التَّعْلِيمُ يُفِيدُكَ رَأْياً هُوَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ عَمَلٍ، فَإذَا عَلِمْتَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، فَقَدْ حَصَلَ لَكَ عِلْمٌ عِلْمِىٌّ، وَعِلْمٌ عَمَلِىٌّ، وَ إنْ لَمْ تَعْمَلْ قَطُّ.
وَ لَيْسَ لِقَائِلٍ أنْ يَقُولَ إنَّ أَحْوَالَ بَدَنِ الإنْسَانِ ثَلَاثٌ: الصِّحَّةُ، وَالْمَرَضُ، وَحَالَةٌ ثَالِثَةٌ لا صِحَّةَ وَلا مَرَضَ، وَأَنْتَ اقْتَصَرْتَ عَلَى قِسْمَيْنِ، فَإنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَعَلَّهُ إذَا فَكَّرَ، لَمْ يَجِدْ أَحَدَ الأَمْرَيْنِ وَاجِباً، لا هَذَا التَّثْلِيثَ، وَلا إخْلالَنَا بِهِ. ثُمَّ إنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا التَّثْلِيثُ وَاجِباً، فَإنَّ قَوْلَنَا: الزَّوَالُ عَنِ الصِّحَّةِ يَتَضَمَّنُ الْمَرَضَ، وَ
[1] ب: علم أصول الطب. ط، ج: علم أصول.
[2] ب: كيفية مباشرته. ط: كيفية مباشرة. ج: كيفية المباشرة.
[3] ب، ج: مزاولة. ط: لمزاولة.
[4] ب، ج: الحركات. ط: للحركات.
[5] ب، ج: متعلق ببيان كيفية. ط: متعلق بكيفيته.
[6] ط، ج، آ: يكثف. ب: يكشف.