responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القانون في الطب المؤلف : ابن سينا    الجزء : 1  صفحة : 123

وأما الكائن بحسب وضع البلد في نجد من الأرض أو غور، فإن الموضوع في الغور أسخن أبداً، والمرتفع العالي مكانه أبرد أبداً، فإن ما يقرب من الأرض من الجو الذي نحن فيه أسخن لاشتداد شعاع الشمس قرب الأرض، وما يبعد منه إلى حدّ هو أبرد. والسبب فيه في الجزء الطبيعي من الحكمة، وإذا كان الغور مع ذلك كالهوة، كان أشد حصراً للشعاع وأسخن. وأما الكائن بسبب الجبال، فما كان الجبل فيه بمعنى المستقر، فهو داخل في القسم الذي بيناه وما كان الجبل فيه بمعنى المجاورة، فهو الذي نريد أن نتكلم الآن فيه، فنقول: إن الجبل يؤثر في الجو على وجهين: أحدهما من جهة رده على البلد شعاع الشمس أو ستره إياه دونه، والآخر من جهة منعه الريح أو معاونته لهبوبها، أما الوؤل فمثل أن يكون في البلاد حتى في الشماليات منها جبل مما يلي الشمال من البلد، فتشرق عليه الشمس في مدارها، وينعكس تسخينه إلى البلد فيسخنه. وإن كان شمالياً، وكذلك إن كانت الجبال من جهة المغرب فانكشف المشرق. وإن كان من جهة المشرق، كان دون ذلك في هذا المعنى، لأن الشمس إذا زالت فأشرقت على ذلك الجبل، فإنها كل ساعة تتباعد عنه، فينقص من كيفية الشعاع المشرق منها عليه، ولا كذلك إذا كان الجبل مغربياً والشمس تقرب منه كل ساعة. وأما من جهة منع الريح، فأن يكون الجبل يصد عن البلد مهب الشمال المبرد، أو يكبس إليه مهب الجنوبي المسخن، أو يكون البلد موضوعاً بين صدفي جبلين منكشفاً لوجه ريح، فيكون هبوب تلك الريح هناك أشد منه في بلد مصحر، لأن الهواء من شأنه إذا انجذب في مسلك ضيق أن يستمر به الانجذاب فلا يهدأ، وكذلك الماء وغيره، وعلته معروفة في الطبيعيات. وأعدل البلاد من جهة الجبال وسترها والانكشاف عنها، أن تكون مكشوفة للمشرق والشمال، مستورة نحو المغرب والجنوب. وأما البحار، فإنها توجب زيادة ترطيب للبلاد المجاورة لها جملة. فإن كانت البحار في الجهات التي تلي الشمال، كان ذلك معينا على تبريدها بترقرق ريح الشمال على وجه الماء الذي هو بطبعه بارد. وإن كان مما يلي الجنوب، أوجب زيادة في غلظ الجنوب، وخصوصاً إن لم تجد منفذاً لقيام جبل في الوجه. وإذا كان في ناحية المشرق، كان ترطيبه للجو أكثر منه إذا كان في ناحية المغرب، إذ الشمس تلح عليه بالتحليل المتزايد مع تقارب الشمس، ولا تلح على المغربية. وبالجملة، فإن مجاورة البحر توجب ترطيب الهواء، ثم إن كثرت الرياح وتسربت ولم تعارض بالجبال، كان الهواء أسلم من العفونة. فإن كانت الرياح لا تتمكن من الهبوب، كانت مستعدة للتعقن وتعفين الأخلاط. وأوفق الرياح لهذا المعنى هي الشمالية، ثم المشرقية، والمغربية. وأضرها الجنوبية.

وأما الكائن بسبب الرياح فالقول فيها على وجهين: قول كلّي مطلق، وقول بحسب بلد بلد وما يخصه. فأما القول الكلي، فإن الجنوبية في أكثر البلاد حارة رطبة. أما الحرارة فلأنها تأتينا من الجهة المتسخنة بمقاربة الشمس، وأما الرطوبة فلأن البحار أكثرها جنوبية عنا. ومع أنها جنوبية، فإن الشمس تفعل فيها بقوة وتبخر عنها أبخرة تخالط الرياح، فلذلك صارت الرياح الجنوبية مرخية. وأما الشمالية، فإنها باردة لأنها تجتاز على جبال وبلاد باردة كثيرة الثلوج،

اسم الکتاب : القانون في الطب المؤلف : ابن سينا    الجزء : 1  صفحة : 123
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست