اسم الکتاب : شرح عيون الحكمة المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 226
لا جرم سموا هذا النوع من القياس بالجدل. و هذا بخلاف البرهان، فان
التعويل هناك على القينيات و اليقينيات لا تدافع بينها و لا تعارض، فلا جرم لا يحتاج
فيها الى المنازعة و المخاصمة. و بخلاف الخطابة فان مدار الأمر فيما على أن يصدق
المستمع كل ما يذكره الخطيب، و يقول له:
أحسنت و أصبت. فان عدل عن هذا الطريق الى و القال، و المراء و
الجدال، فحينئذ تنقلب الخطابة جدلا. و بخلاف السوفسطائية فان فيها وراء المنازعة
غرضا آخر، و هو القدرة عن الاحتراز عن الغلط، و القدرة على ايقاع الغلط. فثبت: أن
تسمية القياس المؤلف من المشهورات و المسلمات، تسمية موافقة للغة.
المسألة الثالثة فى تحديد الجدل
قال الغزالى- يرحمه اللّه- فى كتابه الذي صنفه فى جدل الفقهاء:
«الجدل منازعة تجرى بين متعارضين لتحقيق حق أو لابطال باطل» و هذا التعريف مختل من
وجوه:
الأول: ان المقصود من المفاوضة ان كان
[3] هو تحقيق الحق أو ابطال الباطل، فحصول المنازعة هناك ممتنع. و ذلك
أن الكلام الذي يذكره أحدهما اما أن لا يصير مفهوما للسامع، أو يصير مفهوما له.
فان لم يصر مفهوما له، امتنع أن ينازعه فيه. بل أقصى ما فى الباب:
أن يقول: ما فهمت هذا الكلام، فاذكره بطريق آخر ليحصل [4] الفهم.
و أما إن صار مفهوما. فاما أن يقطع فيه بالصحة أو بالفساد أو يتوقف
أو يتوقف.
فى الأمرين. فان قطع بالصحة فلا نزاع، و إن قطع بالفساد طولب ببيان
الفساد. فاذا ذكر الوجه فيه، عاد التقسيم الأول- و هو