اسم الکتاب : شرح عيون الحكمة المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 149
المسألة الأولى فى حد التناقض
فنقول: التناقض اختلاف قضيتين بالايجاب و السلب على جهة يقتضى (بها)
لذاته أن تكون احداهما صادقة و الأخرى كاذبة. فالاختلاف كالجنس العالى لأن
الاختلاف قد يكون بسبب التغاير فى الموضوعات أو المحمولات و قد يكون بسبب الاختلاف
فى الايجاب و السلب. ثم الاختلاف بالايجاب و السلب قد لا يوجب التنافى. كقولنا:
هذا متحرك، هذا ليس بساكن. و قد يوجد التنافى.
ثم هذا الاختلاف الواقع بالايجاب و السلب، الموجب للتنافى قد يكون
بحيث يوجب التنافى العرضى. كقولنا: هذا انسان، هذا ليس بحيوان. فان التنافى انما
حصل لأن قولنا: ليس بحيوان يقتضى أنه ليس بانسان. و قد يوجب التنافى الذاتى،
كقولنا: هذا انسان، هذا ليس بانسان. و المراد من هذا التنافى: أنه يمتنع اجتماع
الطرفين على الصدق، و يمتنع أيضا اجتماعهما على الكذب.
ثم هاهنا بحث. و هو أن القضايا لا تخلو عن الوجوب و الامتناع و
الامكان. و الصدق فى الوجوب انما يكون فى الثبوت، و فى الامتناع فى العدم. و الكذب
بالعكس. و أما فى الممكن فالصادق و الكاذب متعين فيه فى الماضى و الحاضر وقوعا لا
وجوديا.
(و أما) فى المستقبل. فالمشهور أنه لا يتعين فيه الصدق، لأن أحد
الطرفين لو تعين للصدقية و الآخر للكذبية، فحينئذ يصير الصادق واجب الوقوع، و
الكاذب ممتنع الوقوع. و لا تبقى القدرة و الاختيار البتة.
و اعلم: أن الصدقية و الكذبية وصفان حقيقيان فى نفس الأمر، و الوصف
الحقيقى الثابت فى نفس الأمر يمتنع قيامه بموصوف مبهم فى نفس الأمر، لأن المبهم فى
تعين الأمر لا وجود له فى نفس الامر. و ما لا وجود له فى نفس الامر امتنع حصول
غيره له. فثبت: أن هذه الصدقية و الكذبية
اسم الکتاب : شرح عيون الحكمة المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 149