اسم الکتاب : شرح عيون الحكمة المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 135
المسألة التاسعة:
اعلم: أن الضرورة و الامكان قد يراد بهما اعتبار حال الشىء فى نفسه،
و قد يراد بهما اعتبار حال الشىء فى الذهن.
أما الأول فهو أن يكون ذلك المحمول لذلك الموضوع واجب الثبوت فى نفسه
من حيث هو هو، مع قطع النظر عن العقول و الأفهام. و أما الثاني فهو أن يكون
المعتبر كيفية حكم العقل بذلك. فان حكم حكما جزما فذاك هو الضرورى بحسب الذهن، و
ان توقف و لم يجزم بالحكم، فذاك هو الممكن بحسب الذهن.
و الفرق بين الأمرين: أن كون العالم قديما إما أن يكون ممتنعا فى نفس
الأمر أو يكون واجبا فى نفس الأمر، و اما أن يكون جائزا فى نفس الأمر. و ذاك باطل
لان كون الشىء منتقلا من العدم الى الحدوث و من الحدوث الى العدم أمر ممتنع فى
نفسه. فثبت: أن اتصاف العالم بالعدم ليس على سبيل الامكان فى نفس الأمر البتة.
فأما فى الذهن فالامكان قائم. لأنه قبل قيام الدليل على أحد الطرفين يكون كل واحد
منهما مجوزا. و هذا التجويز و الامكان بحسب الذهن قائم. فثبت:
أن الجواز و الامكان بحسب الأمر (فى) نفسه غير حاصل. فثبت: أن الجواز
و الامكان بحسب الذهن و العقل حاصل، فوجب القطع بأن الامكان فى نفس الأمر مغاير
للامكان الذهنى، و أن حاصل الأمر فى الجواز الذهنى الشك و التوقف عن الحكم. و أما
الجواز بحسب الأمر:
فهو جزم الذهن بأنه فى نفسه غير ممتنع أصلا. فثبت بما ذكرنا: أن
الشىء قد يكون واجب الثبوت فى نفسه و ان كان ممكنا بحسب الذهن.
و أما عكسه و هو أن يكون الشيء ممكنا فى نفسه و ان كان واجب الثبوت
فى الذهن، فهذا أيضا كثير الوجود. و ذلك أيضا يدل على الفرق المذكور.
المسألة العاشرة فى اعتبار حال القضايا بحسب نسبة محمولاتها الى
موضوعاتها
اعلم: أنا قبل الخوض فى المقصود نقدم مقدمتين:
المقدمة الأولى: ان القضية لا تكون قضية الا اذا ثبت محمولها الى
اسم الکتاب : شرح عيون الحكمة المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 135