للكثرة، و كما أن تلك الأشياء هى احاد لا وحدات، كذلك هى كثيرة لا
كثرة.
و الذين يحسبون أنهم إذا قالوا: إن العدد كمية منفصلة ذات ترتيب، فقد
تخلّصوا من هذا، فما تخلّصوا. فإن الكمية تحوج تصورها للنفس إلى أن تعرف بالجزء و
القسمة أو المساواة. أما الجزء و القسمة فإنما يمكن تصورها بالكمية، و أما
المساواة فإن الكمية أعرف منها عند العقل الصريح لأن المساواة من الأعراض الخاصة
بالكمية التى يجب أن توجد فى حدها الكمية. فيقال:
إن المساواة هى اتحاد فى الكمية.
و الترتيب الذى أخذ فى حد العدد أيضا، هو مما لا يفهم إلّا بعد فهم
العدد. فيجب أن يعلم أن هذه كلها تنبيهات مثل التنبيهات بالأمثلة و الأسماء
المترادفة، و أن هذه المعانى متصورة كلها أو بعضها لذواتها، و إنما يدل عليها بهذه
الأشياء لينبّه عليها و تميز فقط.
فنقول الآن [1]: إن الوحدة إما أن تقال على الأعراض، و إما أن تقال على الجواهر.
فإذا قيلت على الأعراض فلا تكون جوهرا، و لا شك فى ذلك، و إذا قيلت على الجواهر
فليست تقال عليها كفصل و لا جنس ألبتة، إذ لا دخول لها فى تحقيق ماهية جوهر من
الجواهر، بل هى أمر لازم للجوهر، كما قد علمت. فلا يكون إذن قوله عليها قول الجنس
و الفصل، بل قول «عرضى». فيكون الواحد جوهرا، و الوحدة هى المعنى الذى هو العرض،
فإن العرض الذى هو أحد الخمسة- و إن كان كونه عرضا بذلك المعنى- قد يجوز عليه أن
يكون جوهرا، فانّما يجوز ذلك إذا أخذ مركبا، كالأبيض.
[1] - في الفرق بين العرض و العرضي، و إثبات أنّ الوحدة عرض.