اسم الکتاب : الشفاء - الإلهيات المؤلف : ابن سينا الجزء : 0 صفحة : 21
هذه هى فكرة الألوهية عند ابن سينا، و تقوم على أساسيين واضحين هما
التوحيد و التنزيه، فتلتقى دون نزاع مع العقيدة الإسلامية. و فيها عناصر أرسطية
ظاهرة، فالمبدأ الأول عند ابن سينا، كالمحرك الأول عند أرسطو، ليس جسميا بحال،
لأنه فعل دائم، و المادة ليست إلا قوة. و هو أيضا عقل يعقل نفسه، و هنا نجد لدى
الفيلسوفين ألفاظا و عبارات تكاد تتكرر بنصها. إلا أن فيلسوف الإسلام لا يلبث أن
يبتعد عن فيلسوف اليونان، ليقترب من عقيدته على نحو ما صورها معاصروه و من سبقوه
من فلاسفة و متكلمين.
فيرى أن المبدأ الأول واجب الوجود بذاته، و ليست بنا حاجة إلى
البرهنة على وجوده، و بذا يسلم من برهان الحركة المضنى الذي عوّل عليه أرسطو فى
الجزء الثامن من «السماع الطبيعى»، و عاد إليه فى «ما بعد الطبيعة». و يحاول على
نحو ما صنع ثامسطيوس من قبل، فى شرحه «لمقالة اللام»، أن يبسط علم اللّه و يخرج به
عن دائرة ذاته، لأنه، و هو يعقل ذاته، يعقل عن طريقها كل شىء [1]. و هذا ما لم يقصد إليه أرسطو الذي
حرص على أن يعزل إلهه عن عالم التغير و المادة عزلا يكاد يكون تاما [2]. على أن هذا التأويل لا يرضى
المتكلمين، و خاصة الغزالى الذي حمل على الفلاسفة حملة عنيفة، لأنهم قصروا علم
اللّه على الكليات، و هو الذي يحيط بكل شىء. و كأنما كان ابن سينا يتوقع هذه
الحملة، لذا شاء أن يستخلص من العلم بالكليات علما بالجزئيات. ذلك لأن الأول يعلم
الأسباب، و يعلم ضرورة ما يترتب عليها، فيكون مدركا للامور الجزئية من حيث هى كلية [3]. و لكن هل يسمى هذا علما بالجزئيات
حقيقة؟
8- الصدور:
لا يقف ابن سينا عند المحرّك الذي يحرّك دون أن يتحرك، و يقصد إلى
إثبات أن اللّه علة فاعلة لا مجرد غاية و هدف، فيقول بالصدور ليبين الصلة بين
اللّه و العالم، و يفسر الخلق و الإبداع. و ما دام واجب الوجود عقلا محضا، فهو
يعقل ذاته، و يعقل ضرورة
[1] عبد الرحمن بدوى، أرسطو عند العرب، ج 1، «من شرح ثامسطيوس
لحرف اللام»، ص 20.