الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [1] حيث إنّه فارق قومه بعد أن دعا عليهم بالعذاب، وكان الأوْلى أن ينتظر ويصبر حتّى يأتيه أمر اللَّه.

ونظيره أيضاً قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [2] حيث كان الأوْلى أن لا يأذن النبيّ صلى الله عليه و آله لمن طلب الرخصة منه في التخلّف عن الجهاد، كي ينكشف أمام الناس كِذبُ من يتعذّر منهم.

ثانياً: بأنّ العرض الذي قدّمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين يدي العبّاس والإمام عليّ عليه السلام وخيّرهما فيه اقتصر على الترشيح بتراث النبيّ صلى الله عليه و آله، في قبال إنجاز عداته وقضاء ديونه، وتراث النبيّ صلى الله عليه و آله ووراثته وإن كانت شاملة في الأساس إلى مقامات ومناصب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الإلهيّة في الدين- عدا النبوّة- وبالتالي فهي تشمل الإمامة والخلافة عن اللَّه تعالى، التي هي أحد مناصب النبيّ صلى الله عليه و آله، إلّاأنّ هذا التخيير تبيان من النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أنّ وراثته صلى الله عليه و آله تختلف عن وراثة غيره من الناس، لأنّ تراثه تراثاً ربّانيّاً، وهو ما امتلكه من صلاحيّات دينيّة ومسؤوليّات في الدعوة الإلهيّة.

ولا يخفى أنّ ميراثه الربّاني هذا لا تتساوى شرائط الوارث فيه مع شرائط الوارث في تراث وتركة الآخرين، فإنّ في شرائط الوارث في هذا المقام شرائط اخرى خاصّة، مضافاً إلى شرائط الورّاث الآخرين، وهي بيعته والتزامه بالدعوة الخاصّة، واستجابته للبعثة الخاصّة، التي بعث بها النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الدار، وتحمّل العبء الشديد لأوامر الرسالة وأثقال الدين.

ثالثاً: إنّ هذا العرض من النبيّ صلى الله عليه و آله تبيان منه لهذا الشرط، وتأكيد منه أنّه لا يتأهّل لهذا المقام، أي مقام وراثة النبيّ صلى الله عليه و آله إلّامن يستجيب لهذه الشروط، لا يستطيع أن يقوم بهذه الشروط إلّاعليّ أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يحدّث العبّاس نفسه غداً

[1] الأنبياء: 87 و 88.

[2] التوبة: 43.