1- نعم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم قد حضّهم على تعجيل السير في غزوة اسامة، و أمرهم بالإسراع كما ذكرت، و
ضيّق عليهم في ذلك حتى قال لاسامة حين عهد إليه: «اغزصباحا على أهل أبنى»، فلم يمهله إلى المساء، و قال له:
«أسرعالسير» فلم يرض منه إلّا بالإسراع، لكنه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم تمرض بعد ذلك بلا فصل، فثقل حتى خيف عليه؛ فلم تسمح نفوسهم بفراقه و هو في
تلك الحال، فتربصوا ينتظرون في الجرف ما تنتهي إليه حاله، و هذا من وفور إشفاقهم
عليه، و ولوع قلوبهم به، و لم يكن لهم مقصد في تثاقلهم إلّا انتظار إحدى الغايتين،
إما قرة عيونهم بصحته، و إما الفوز بالتشرف في تجهيزه، و توطيد الأمر لمن يتولى
عليهم من بعده، فهم معذورون في هذا التربص، و لا جناح عليهم فيه.
و أمّا طعنهم قبل وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في
تأمير اسامة مع ما وعوه و رأوه من النصوص قولا و فعلا على تأميره، فلم يكن منهم
إلّا لحداثته مع كونهم بين كهول و شيوخ، و نفوس الكهول و الشيوخ تأبى- بجبلّتها-
أن تنقاد إلى الأحداث، و تنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان، فكراهتهم لتأميره
ليست بدعا منهم، و إنما كانت على مقتضى الطبع البشري،