و لو سمحت لنا الأدلّة بمخالفة الأئمة من آل محمد، أو تمكّنّا من
تحصيل نيّة القربة للّه سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصصنا أثر الجمهور،
و جرينا على أسلوبهم، تأكيدا لعقد الولاء، و توثيقا لعرى الإخاء، لكنها الأدلة
القطعية تقطع على المؤمن و جهته، و تحول بينه و بين ما يروم.
[2- لا دليل على الأخذ بمذاهب الجمهور.]
2- على أنه لا دليل للجمهور على رجحان شيء من مذاهبهم، فضلا عن وجوبها،
و قد نظرنا في أدلّة المسلمين نظر الباحث المحقق بكل دقة و استقصاء، فلم نجد فيها
ما يمكن القول بدلالته على ذلك، إلّا ما ذكرتموه من اجتهاد أربابها و أمانتهم و
عدالتهم و جلالتهم.
لكنكم تعلمون أن الاجتهاد و الأمانة و العدالة و الجلالة غير محصورة
بهم، فكيف يمكن- و الحال هذه- أن تكون مذاهبهم واجبة على سبيل التعيين؟
و ما أظن أحدا يجرأ على القول بتفضيلهم- في علم أو عمل- على أئمتنا،
و هم أئمة العترة الطاهرة و سفن نجاة الأمة، و باب حطتها، و أمانها من الاختلاف في
الدين، و أعلام هدايتها، و ثقل رسول اللّه، و بقيته في أمته، و قد قال صلّى اللّه
عليه و آله و سلم: «فلاتقدّموهم فتهلكوا، و لا تقصروا عنهم
فتهلكوا، و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم»[1]لكنها السياسة، و ما أدراك ما اقتضت في صدر الاسلام.
و العجب من قولكم! أن السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب، و رأوها أعدل
المذاهب و أفضلها، و اتفقوا على التعبّد بها في كل عصر و مصر، كأنكم لا تعلمون بأن
الخلف و السلف الصالحين من شيعة آل محمد- و هم نصف
[1]إشارة الى حديث الثقلين الآتي مع مصادره في المراجعة 8 ص 66،
الهامش 2، و ص 67 الهامش 2.