و أنت إذا تأملت في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ائتونيأكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده»، و قوله في حديث الثقلين: «إنيتارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي»[1]،
تعلم أن المرمى في الحديثين واحد، و أنه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين.
[2- السبب في عدول النبي عما أمرهم به
يومئذ.]
2- و إنما عدل عن ذلك، لأن كلمتهم تلك التي فاجئوه بها اضطرته إلى
العدول، إذ لم يبق بعده أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة و الاختلاف من بعده في أنه
هل هجر فيما كتبه- و العياذ باللّه- أو لم يهجر؟ كما اختلفوا في ذلك و أكثروا
اللغو و اللغط نصب عينيه، فلم يتسنّ له يومئذ أكثر من قوله لهم:
«قوموا»؛ كما سمعت، و لو أصرّ فكتب الكتاب
للجّوا في قولهم «هجر»، و لأوغل أشياعهم في إثبات هجره- و
العياذ باللّه- فسطروا به أساطيرهم، و ملئوا طواميرهم ردا على ذلك الكتاب و على من
يحتجّ به.
و لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن
ذلك الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلاء المعارضون و أولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة-
نعوذ باللّه و به نستجير-، و قد رأى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن عليا و
أولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب، و غيرهم لا يعمل
به و لا يعتبره لو كتب، فالحكمة- و الحال هذه- توجب تركه، إذ لا أثر له تلك
المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى، و السلام.