responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : علم البيان المؤلف : عبد العزيز عتيق    الجزء : 1  صفحة : 221

الاستعارة خاصة، لأن الاستعارة لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المستعار له، أي المشبه، و كذلك الكناية فإنها لا تكون إلا بحيث يطوى ذكر المكنى عنه، أي لازم المعنى.

و نسبة الكناية إلى الاستعارة نسبة خاص إلى عام، فيقال كل كناية استعارة، و ليس كل استعارة كناية، و هذا فرق بينهما. و يفرق بينهما من وجه آخر، و هو أن الاستعارة لفظها صريح، و الصريح هو ما دل عليه ظاهر لفظه، و الكناية ضد الصريح، لأنها عدول عن ظاهر اللفظ. و هذه فروق ثلاثة: أحدها الخصوص و العموم، و الآخر الصريح، و الثالث الحمل على جانب الحقيقة و المجاز. و إذا كانت الكناية جزءا من الاستعارة، و كانت الاستعارة جزءا من المجاز، فإن نسبة الكناية إلى المجاز هي نسبة جزء الجزء و خاص الخاص.

و من بيان الصلة بين الكناية و الاستعارة و التفرقة بينهما انتقل ابن الأثير لبحث الصلة بين التعريض و الكناية. و قد بدأ بتعريف التعريض فقال: «أما التعريض فهو اللفظ الدال على الشي‌ء من طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي و لا المجازي»، فإنك إذا قلت لمن تتوقع صلته و معروفه بغير طلب: «و اللّه إني لمحتاج، و ليس في يدي شي‌ء، و أنا عريان، و البرد قد آذاني»، فإن هذا و أشباهه تعريض بالطلب، و ليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب لا حقيقة و لا مجازا، إنما دل عليه من طريق المفهوم، بخلاف دلالة اللمس على الجماع. و عنده أن التعريض إنما سمي تعريضا لأن المعنى فيه يفهم من عرضه أي من جانبه، و عرض كل شي‌ء جانبه.

و كما فرق بين الكناية و التعريض من جهة خفاء الدلالة و وضوحها، فرق بينهما كذلك من جهة اللفظ فقال: «و اعلم أن الكناية تشمل اللفظ

علم البيان، ص: 222

المفرد و المركب معا، فتأتي على هذا تارة و على هذا أخرى. و أما التعريض فإنه يختص باللفظ المركب، و لا يأتي في اللفظ المفرد البتّة. و الدليل على ذلك أن التعريض لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة و لا من جهة المجاز، و إنما يفهم من جهة التلويح و الإشارة، و ذلك لا يستقل به اللفظ المفرد، و لكنه يحتاج في الدلالة عليه إلى اللفظ المركب».

و من أمثلة التعريض:

1- قوله تعالى في شأن قوم نوح: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَ ما نَرى‌ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.

فقوله: «ما نراك إلا بشرا مثلنا» تعريض بأنهم أحق بالنبوة منه، و أن اللّه لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم، فقالوا: هب أنك واحد من الملأ و مواز لهم في المنزلة فما جعلك أحق منهم بها؟ و مما يؤكد ذلك قولهم: «و ما نرى لكم علينا من فضل».

2- كان عمر بن الخطاب يخطب يوم جمعة، فدخل عثمان فقال عمر: أية ساعة هذه؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين انقلبت من أمر السوق فسمعت النداء، فما زدت على أن توضأت. فقال عمر: و الوضوء أيضا و قد علمت أن رسول اللّه كان يأمرنا بالغسل؟ فقوله: «أية ساعة هذا؟» تعريض بالإنكار عليه لتأخره عن المجي‌ء إلى الصلاة و ترك السبق إليها.

و هو من التعريض المعرب عن الأدب.

3- وقفت امرأة على قيس بن عبادة فقالت: «أشكو إليك قلة الفأر في بيتي». فقال: «ما أحسن ما وردت عن حاجتها، املأوا لها بيتها خبزا و سمنا و لحما». فهذا تعريض من المرأة حسن الموقع.

اسم الکتاب : علم البيان المؤلف : عبد العزيز عتيق    الجزء : 1  صفحة : 221
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست