(و) تنقسم الحروف باعتبار أوصافها إلى تقاسيم أخر
(منها المجهورة
- بالمدّة الساكنة ابتدأ باللّام ثمّ بالألف بعدها ساكنة ليصحّ لك
النطق بها كما صحّ لك النطق بسائر الحروف غيرها و هذا واضح.
فإن قال قائل: فلم اختيرت لها
اللّام دون سائر الحروف؟ و هلّا جيء لها بهمزة الوصل، كما فعلت العرب ذلك
بالسّاكن لمّا لم يمكن ابتداؤه نحو: «اضرب، اذهب، انطلق» و غير ذلك؟
فالجواب: أنّ همزة الوصل لوجيء
بها قبل الألف- توصّلا إلى النطق بالألف الساكنة- لما أمكن ذلك و لأدّتهم الحال
إلى نقض الغرض الذي قصدوا له. و ذلك: أنّ همزة الوصل كانت تأتي مكسورة كما جرت
العادة فيها، و لو كسرت قبلها لانقلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها، فكنت تقول:
«اى» فلا تصل إلى الألف التي اعتمدتها، فلمّا لم يجز ذلك عدلوا إلى اللّام من بين
سائر الحروف لما أذكره ذلك.
و ذلك أنّ واضع الخطّ أجراه في
هذا على اللفظ، لأنّه أصل للخطّ، و الخطّ فرع على اللفظ، فلمّا رآهم قد توصّلوا
إلى النطق بلام التعريف بأن قدّموا قبلها ألفا نحو: «الغلام» و «الجارية» لمّا لم
يمكن الابتداء باللّام السّاكنة كذلك أيضا، قدّم قبل الألف في «لا» لاما، توصّلا
إلى النطق بالألف السّاكنة فكان في ذلك ضرب من المعاوضة بين الحرفين.
[المقامات: 264، 266، سرّ الصّناعة 1: 57- 58]
[1] «الأوصاف» جمع «الوصف» و هي من عوارض الحروف ليمتاز بها الحروف
المتّحدة المخرج أو القريبة المخرج بعضها عن بعض.
و صفات الحروف نوعان: «صفات
أصليّة» و «ذاتيّة» و هي التي تلزم الحروف و لا تنفكّ عنها بحال، و «صفات عارضة» و
هي التي لا تلزم الحروف و إنّما تعرض عليها لزينة التلاوة و حسن القرائة و يجتمع
بعضها مع بعض و مع الصفات الأصليّة.-