اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 39
الدّلالة حتى تكون هذه أدلّ على معناها الذي وضعت له من صاحبتها على
ما هي موسومة به، حتى يقال إن «رجلا» أدلّ على معناه من «فرس» على ما سمّي به و
حتى يتصوّر في الاسمين يوضعان لشيء واحد، أن يكون هذا أحسن نبأ و أبين كشفا عن
صورته من الآخر، فيكون «الليث» مثلا أدلّ على السبع المعلوم من «الأسد» و حتى أنّا
لو أردنا الموازنة بين لغتين كالعربية و الفارسية، ساغ لنا أن نجعل لفظة «رجل»
أدلّ على الآدميّ الذّكر من نظيره في الفارسية؟.
و هل يقع في وهم و إن جهد، أن
تتفاضل الكلمتان المفردتان، من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه من التأليف و
النظم، بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة، و تلك غريبة وحشية، أو أن تكون حروف
هذه أخفّ و امتزاجها أحسن، و مما يكدّ اللسان أبعد؟.
و هل تجد أحدا يقول: هذه اللفظة
فصيحة إلا و هو يعتبر مكانها من النظم، و حسن ملائمة معناها لمعاني جاراتها، و فضل
مؤانستها لأخواتها؟.
و هل قالوا: لفظة متمكنة، و
مقبولة، و في خلافه: قلقة، و نابية، و مستكرهة، إلا و غرضهم أن يعبّروا بالتمكّن
عن حسن الاتفاق بين هذه و تلك من جهة معناهما، و بالقلق و النّبوّ عن سوء التلاؤم،
و أن الأولى لم تلق بالثانية في معناها، و أنّ السابقة لم تصلح أن تكون لفقا
للتالية في مؤدّاها؟.
و هل تشكّ إذا فكرت في قوله تعالى:
وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ الْماءُ وَ
قُضِيَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ [هود: 44]، فتجلّى لك منها الإعجاز، و بهرك الذي ترى و تسمع، أنك لم
تجد ما وجدت من المزيّة الظاهرة، و الفضيلة القاهرة، إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه
الكلم بعضها ببعض، و أن لم يعرض لها الحسن و الشّرف إلا من حيث لاقت الأولى
بالثانية، و الثالثة بالرابعة، و هكذا، إلى أن تستقر بها إلى آخرها، و أنّ الفضل
تناتج ما بينها، و حصل من مجموعها؟.
إن شككت، فتأمّل: هل ترى لفظة منها
بحيث لو أخذت من بين أخواتها و أفردت، لأدّت من الفصاحة ما تؤدّيه و هي في مكانها
من الآية؟ قل: «ابلعي»،
[1] لفقت الثوب ألفقه لفقا و هو أن تضم الشّقّة إلى الأخرى
فتخيطهما. و لفق الشقتين: ضم إحداهما إلى الأخرى. اللسان/ لفق/ (10/ 331).