اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 191
التي معها يعرف، و الحاسّة التي بها يجد. فليكن قدحك في زند وار، و
الحكّ في عود أنت تطمع منه في نار.
و اعلم أن هؤلاء، و إن كانوا هم
الآفة العظمى في هذا الباب، فإنّ من الآفة أيضا من زعم أنه لا سبيل إلى معرفة
العلّة في قليل ما تعرف المزيّة فيه و كثيره، و أن ليس إلا أن تعلم أن هذا التقديم
و هذا التنكير، أو هذا العطف أو هذا الفصل حسن، و أن له موقعا من النفس و حظّا من
القبول، فأمّا أن تعلم لم كان كذلك؟ و ما السبب؟ فممّا لا سبيل إليه، و لا مطمع في
الاطّلاع عليه، فهو بتوانيه و الكسل فيه، في حكم من قال ذلك.
و اعلم أنّه ليس إذا لم تمكن معرفة
الكل، وجب ترك النّظر في الكلّ. و أن تعرف العلّة و السبب فيما يمكنك معرفة ذلك
فيه و إن قلّ فتجعله شاهدا فيما لم تعرف، أحرى من أن تسدّ باب المعرفة على نفسك، و
تأخذها عن الفهم و التفهّم، و تعوّدها الكسل و الهوينا. قال الجاحظ:
«و كلام كثير قد جرى على ألسنة الناس، و له مضرّة شديدة و ثمرة
مرّة. فمن أضرّ ذلك قولهم: «لم يدع الأوّل للآخر شيئا»، قال: فلو أنّ علماء كلّ
عصر مذ جرت هذه الكلمة في أسماعهم، تركوا الاستنباط لما لم ينته إليهم عمّن قبلهم،
لرأيت العلم مختلّا.
و اعلم أنّ العلم إنما هو معدن،
فكما أنه لا يمنعك أن ترى ألوف وقر قد أخرجت من معدن تبر، أن تطلب فيه، و أن تأخذ
ما تجد و لو كقدر تومة، كذلك، ينبغي أن يكون رأيك في طلب العلم». و من اللّه تعالى
نسأل التوفيق.
فصل هذا فنّ من المجاز لم نذكره
فيما تقدّم
اعلم أن طريق المجاز و الاتساع في
الذي ذكرناه قبل، أنك ذكرت الكلمة و أنت لا تريد معناها، و لكن تريد معنى ما هو
ردف له أو شبيه، فتجوّزت بذلك في ذات الكلمة و في اللفظ نفسه. و إذا قد عرفت ذلك
فاعلم أن في الكلام مجازا على غير هذا السبيل، و هو أن يكون التجوّز في حكم يجرى
على الكلمة فقط، و تكون الكلمة