اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 135
تستفاد، و إنما يستفاد المجهول دون المعلوم. قالوا: فلما كانت كذلك،
كانت وفق النّكرة، فجاز وصفها بها، و لم يجز أن توصف بها المعرفة، إذ لم تكن وفقا
لها.
و القول البيّن في ذلك أن يقال:
إنه إنّما اجتلب حتّى إذا كان قد عرف رجل بقصة و أمر جرى له، فتخصّص بتلك القصّة و
بذلك الأمر عند السامع، ثم أريد القصد إليه، ذكر «الّذي».
تفسير هذا أنك لا تصل «الذي» إلّا
بجملة من الكلام قد سبق من السّامع علم بها، و أمر قد عرفه له، نحو أن ترى عنده
رجلا ينشده شعرا فتقول له من غد: «ما فعل الرجل الذي كان عندك بالأمس ينشدك
الشعر؟».
هذا حكم الجملة بعد «الذي»، إذا
أنت وصفت به شيئا. فكان معنى قولهم:
«إنه اجتلب ليتوصّل به إلى وصف المعارف بالجمل»، أنه جيء به ليفصل
بين أن يراد ذكر الشيء بجملة قد عرفها السامع له، و بين أن لا يكون الأمر كذلك.
فإن قلت: قد يؤتى بعد «الذي»
بالجملة غير المعلومة للسامع، و ذلك حيث يكون «الذي» خبرا، كقولك: «هذا الذي كان
عندك بالأمس» و «هذا الذي قدم رسولا من الحضرة»، أنت في هذا و شبهه تعلم المخاطب
أمرا لم يسبق له به علم، و تفيده في المشار إليه شيئا لم يكن عنده، و لو لم يكن
كذلك، لم يكن «الذي» خبرا، إذ كان لا يكون الشيء خبرا حتى يفاد به.
فالقول في ذلك: أن الجملة في هذا
النّحو، و إن كان المخاطب لا يعلمها لعين من أشرت إليه، فإنه لا بدّ من أن يكون قد
علمها على الجملة و حدّث بها. فإنّك على كلّ حال لا تقول: «هذا الذي قدم رسولا»،
لمن لم يعلم أن رسولا قدم و لم يبلغه ذلك في جملة و لا تفصيل، و كذا لا تقول: «هذا
الذي كان عندك أمس»، لمن قد نسي أنه كان عنده إنسان و ذهب عن وهمه، و إنّما تقوله
لمن ذاك على ذكر منه، إلّا أنه رأى رجلا يقبل من بعيد، فلا يعلم أنه ذاك، و يظنه
إنسانا غيره.
و على الجملة، فكلّ عاقل يعلم بون
ما بين الخبر بالجملة مع «الذي» و بينها مع غير «الذي»، فليس من أحد به طرق إلّا
و هو لا يشكّ أن ليس المعنى في قولك: «هذا الذي قدم رسولا»، كالمعنى إذا قلت: «هذا
قدم رسولا من الحضرة»