وكأنّ المعنى خادعته عن نفسه ، وفعلت فعل المخادع (١) لصاحبه عن الشّيء
الّذي لا يريد أن يخرجه من يده يحتال عليه أن يغلبه ويأخذه منه ، وهي (٢) عبارة عن
التّمحّل لمواقعته إيّاها والمسند إليه هو قوله : [(الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها
عَنْ نَفْسِهِ)] متعلّق ب (وَراوَدَتْهُ.)فالغرض (٣) المسوق له الكلام نزاهة يوسف عليهالسلام وطهارة ذيله (٤)
الأوّل
: إلى عدم تحقّق
المخادعة حقيقة إذ لم يحصل لها ما أرادته من المواقعة.
الثّاني
: إشارة إلى أنّ
المفاعلة ليست على بابها ، لأنّ المخادعة من باب المفاعلة وقوع طلب الزّنا من كلّ
منهما ، ويوسف عليهالسلام معصوم لا يمكن أن يقع منه طلب الزّنا ، فلا بدّ من
القول : بأنّ المفاعلة ليست على بابها ، بل المراد بها أصل الفعل وإنّما عبّر
بالمفاعلة لقصد المبالغة ، أو يقال : بأنّ المفاعلة وضعت بحكم الاستقراء لإفادة
قيام الفاعل مقام إصدار الفعل كما يؤكّد على ذلك قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)[١] فإنّه لا معنى لوقوع المخادعة على الله سبحانه ، بل
المعنى إنّهم أقاموا مقام إصدار الخدعة على الله تعالى ، وأرادوا إيقاعها عليه ،
ولكن ما وقعت على الله ، بل وقعت على أنفسهم ، فعليه معنى قوله تعالى : (راوَدَتْهُ) أرادت زليخا إيقاع الخدعة على يوسف من أجل نفسه ، فلا
يبقى مجال للإشكال.
(٢) أي
المخادعة هنا عبارة عن الاحتيال على مجامعة يوسف زليخا ، واللّام في قوله : «لمواقعته»
بمعنى على.
(٣) أي إذا
علمت ما قلناه لك في معنى المراودة ، فالغرض المسوق له الكلام نزاهة يوسف عليهالسلام فيكون هذا بيانا لتقرير الغرض المسوق له الكلام ، وهذا
هو الوجه الأوّل من الوجوه الثّلاثة المذكورة في زيادة التّقرير.
(٤) شبّه عدم
ارتفاع الذّيل للزّنا بعدم تلوّثه بالنّجاسة على طريق الاستعارة المصرّحة ، ثمّ
جعل ذلك كناية عن عدم ملابسة صاحبه للزّنا.