[خاليّ الذّهن (١) من الحكم والتّردّد فيه] أي (٢) لا يكون عالما بوقوع
النّسبة أو لا وقوعها ولا متردّدا في أنّ النّسبة هل (٣) هي واقعة أم لا؟ وبهذا (٤)
تبيّن فساد ما قيل
:
(١) ظاهر كلامه
حيث اقتصر على الحكم أنّ تجريد الكلام عن التّأكيد يختصّ بما إذا كان المخاطب
خاليّ الذّهن من الحكم فقط ، وأمّا إذا كان خاليّ الذّهن عن لازمه ، فلا ينبغي
التّجريد بل يؤكّد ، إلّا أنّ مقصود المصنّف هو خلوّ الذّهن عن الحكم ولازمه معا ،
وإنّما ترك الثّاني للعلم به بالمقايسة ، ثمّ المراد بالحكم الإذعان بالوقوع أو
اللّا وقوع ، ومن الضّمير في قوله : «والتردّد فيه» هو نفس الوقوع على نحو
الاستخدام ، وهو أن يكون للّفظ معنيان وأريد منه أحدهما ، ومن ضميره الآخر.
(٢) إشارة إلى
معنى خلوّ ذهن المخاطب من الحكم ، وهو أن لا يكون الحكم حاصلا في ذهنه ، وحصوله
فيه إنّما هو الإذعان به فيكون المعنى خاليا عن الإذعان ، ثمّ الخلوّ عن الإذعان
لا يستلزم الخلوّ عن التّردّد ، لأنّ الإذعان والتردّد متنافيان ، فالخلوّ عن
أحدهما لا يستلزم الخلوّ عن الآخر. فظهر فساد ما سبق إلى بعض الأوهام ، ويكون مبنى
هذا الوهم عدم التّنبّه لمعنى الخلوّ عن الحكم ، وسيأتي في كلام الشّارح ، فانتظر.
(٣) قد قرّر في
علم النّحو : أنّه يمتنع أن يؤتى بهل بمعادل ، لأنّها موضوعة لطلب التّصديق ،
والإتيان بالمعادل خروجها عن طلب التّصديق إلى طلب التّصوّر ، فهذا التّركيب من
الشّارح إمّا مبنيّ على ما ذهب إليه ابن مالك من أنّ (هل) قد تقع موضع همزة ،
فيؤتى لها بمعادل مثلها مستدلّا بقول النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (هل تزوّجت بكرا أم ثيّبا) أو مبنيّ على جعل (أم) هنا منقطعة بمعنى بل ،
فيكون المعنى «ولا متردّدا في أنّ النّسبة هل هي واقعة أم لا» بل أليست واقعة ،
فحينئذ لا يكون لها معادل ، بل الكلام في الحقيقة مشتمل على انتقال من استفهام إلى
استفهام آخر ، فالمتردّد كأنّه يظنّ أوّلا أنّ النّسبة واقعة فيستفهم عنها ، ثمّ
يدركه ظنّ آخر بأنّها لم تقع ، فيستفهم من عدمها ، كما في المفصّل للمرحوم الشّيخ
موسى البامياني مع اختصار منّا.
(٤) أي بهذا
المعنى الّذي ذكره الشّارح للحكم «تبيّن فساد ما قيل : إنّ الخلوّ عن الحكم يستلزم الخلوّ عن التّردّد فيه فلا
حاجة إلى ذكر التّردّد. ووجه الفساد : أنّ خلوّ الذّهن عن الحكم بمعنى الإذعان لا
يستلزم خلوّه عن التّردّد ، لأنّهما متنافيان.