وإليه (١) أشار بقوله : [وما يعرف به وجوه التّحسين علم البديع] ولمّا كان
هذا المختصر في علم البلاغة وتوابعها انحصر مقصوده (٢) في ثلاثة فنون (٣) [وكثير]
من النّاس [يسمّى الجميع علم البيان ، وبعضهم يسمّي الأوّل علم المعاني و] يسمّى [الأخيرين]
يعني البيان والبديع [علم البيان والثّلاثة علم البديع] ولا يخفى وجوه المناسبة
والله أعلم.
(١) أي إلى
الوضع أشار المصنّف بقوله : «وما يعرف به وجوه التّحسين علم البديع».
(٢) أي مقصود
مؤلّفه بحذف المضاف ، ويصحّ أن يكون الضّمير عائدا إلى المختصر من دون حذف المضاف
بارتكاب الاستعارة بالكناية ، بأن كان الشّارح قد شبّه في نفسه المختصر بمؤلّفه في
(إرشاد المحصّلين إلى القواعد) ، ثمّ ترك أركان التّشبيه سوى المشبّه ، وأراد منه
معناه اللّغوي ، وأضاف إليه شيئا من لوازم المشبّه به وهو المقصود ، فهذا التّشبيه
المضمر في النّفس استعارة بالكناية وإثبات المقصود له استعارة تخييليّة.
(٣) إنّ جواب «لمّا»
لكونه واضحا محذوف ، أي لمّا كان هذا المختصر ... اختلف أئمّة البلاغة في التّسمية
، كما ذكره المصنّف ، فكثير منهم يسمّي الجميع علم البيان ، إمّا من باب تسميّة
الشّيء بأشرف أقسامه ، وإمّا لمدخليّة الجميع بالبيان ، لأنّ البيان عبارة عن
المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضّمير ، ولا شكّ في أنّ العلوم الثّلاثة لها دخل
في الكلام الفصيح المعرب عمّا في الضّمير تصحيحا وتحسينا ، ومن هنا يعلم وجه تسمية
البيان والبديع بعلم البيان ، إذ تحقّق المناسبة في الكلّ يستلزم تحقّقها في
الجزء.
وأمّا وجه
تسمية الجميع بعلم البديع ، ـ كما أشار إليه بقوله : «والثّلاثة علم البديع» أي
بعضهم يسمّي الثّلاثة علم البديع ـ فلبداعة مباحثها أي حسنها وظرافتها ، لأنّ
البديع عبارة عن الشّيء المستحسن الظّريف ، ومباحث هذه العلوم بديعة بهذا المعنى ،
وتقدير لفظ بعضهم قبل الثّلاثة واضح.
وأمّا وجه
تسمية الأوّل بالمعاني ، والثّاني بالبيان ، والثّالث بالبديع ، فلأنّ :
الأوّل
: علم يبحث فيه
عن المعاني الّتي يصاغ لها الكلام كالتّأكيد والتّجريد والذّكر والحذف ونحوها ،
ممّا تقتضيه الأحوال ، ولا شكّ في أنّها من المعاني والمداليل العقليّة.
والثّاني : هو ما يعرف به بيان إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في
وضوح الدّلالة وخفائها.
والثّالث : هو ما يتعلّق بأمور بديعة وأشياء غريبة كالتّجنيس
والتّرصيع وغيرهما ممّا يأتي تفصيله في علم البديع.