[وفيه نظر (١)]
، لأنّ كلّا من كثرة التّكرار وتتابع الإضافات إن ثقل اللّفظ بسببه على اللّسان
فقد حصل الاحتراز عنه بالتّنافر ، وإلّا فلا يخلّ بالفصاحة (٢) وكيف وقد وقع في
التّنزيل (٣) : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ
نُوحٍ)[١] ـ (ذِكْرُ رَحْمَتِ
رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)[٢] ـ
(١) أي في
القول باشتراط الفصاحة بالخلوص عن كثرة التّكرار وتتابع الإضافات نظر وإشكال ،
وحاصله : إنّ ذلك القائل يدّعي بأنّ كثرة التّكرار وتتابع الإضافات مخلّ بالفصاحة
مطلقا ، فلا بدّ من اشتراط الخلوص منهما.
وحاصل الرّدّ
عليه : أنّا لا نسلم ذلك الإطلاق ، بل الحقّ التّفصيل ، وهو إن حصل في اللّفظ ثقل
بهما ، كانا مخلّين بالفصاحة ، لكنّ الاحتراز عنهما حصل بالاحتراز عن التّنافر لما
عرفت من أنّ التّنافر عبارة عن كون الكلمات ثقيلة على اللّسان ، وإن لم يحصل في
اللّفظ ثقل بسببهما ، فلا يخلّان بالفصاحة ، فلا يصحّ الاحتراز عنهما أصلا.
وبالجملة إنّ
كلّ من كثرة التّكرار وتتابع الإضافات لا يخلو عن أحد الاحتمالين :
أحدهما
: أن يكون كلّ
منهما موجبا للثّقل.
وثانيهما
: أن لا يكون
كذلك ، ولا يصحّ اشتراط خلوص الكلام عنهما في الفصاحة على كلا التّقديرين ، إذ على
التّقدير الأوّل كلّ منهما داخل في التّنافر ، فيكفي الخلوص عنه في الخلوص عنهما ،
وعلى الثّاني لا يخلّ بالفصاحة ، كي يجب الاحتراز عنهما.
(٢) فلا يلزم
الاحتراز عنهما في الفصاحة.
(٣) «كيف»
استفهام إنكاريّ تعجّبيّ ، أي أتعجّب كيف يصحّ القول بأنّهما يخلّان بالفصاحة
مطلقا ، وقد وقع كلّ منهما في التّنزيل ، ويحتمل أن يكون فاعل وقع (مِثْلَ) في قوله : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ
نُوحٍ ،) ويحتمل أن يكون الفاعل ضميرا يعود على كلّ واحد من كثرة
التّكرار وتتابع الإضافات فقوله : (مِثْلَ دَأْبِ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي ذلك مثل دأب قوم نوح.