المحذور الثاني: لو كان الموت نهايةً للإنسان فأين عدل الله؟
إنّ الحديث عن المعاد مترتّب على الفراغ من الاُصول الأوليّة أي التوحيد والعدل والنبوّة والتكليف، ومن حقّنا أن نستفيد من تلك الاُصول الأوّلية لإثبات الأصل الأخير، وعليه نقول: إنّ عدل الله سبحانه وتعالى ـ على ما يبدو لنا ـ يقتضي حقّانية المعاد لوجهين:
أحدهما : الجزاء على الأعمال، فصحيح أنّ مبدأ المالكية والمملوكية الحقيقيتين قد لا يُبقي في بعض مراحل الفهم العرفاني مجالاً لاستحقاق الأجر، ولكن مبدأ الاثنينية ـ ولو على مستوى الوجود الأصيل والوجود التعليقي حسب ما ثبت فلسفيا ـ يقتضي الأجر، ولا يحتمل بشأنه ـ وهو تعالى غنيّ على الإطلاق ـ التخلّف عن ذلك، ومن الواضح ضيق الدنيا عن هذا الجزاء، ولا سيما بالقياس إلى المستويات الراقية من أنواع الفداء والإيثار والتضحية والطاعة، وبالمستوى المناسب لشأنه جلّ جلاله، لا المستوى المناسب لنا نحن العبيد
وقد يقال: لو كان خلق الآخرة لأجل إخراج خلق الدنيا عن العبث فلم لم يقتصر الله سبحانه وتعالى على خلق الآخرة دون أن يجعلنا نمرّ على شقاء الدنيا؟ أفليست الحياة الاُخروية التي هي الحَيَوان بعيدة عن العبث واللغو؟ فلو كنّا مخلوقين للآخرة وكان بدؤنا فيها لما كان ذلك عبثا.
والجواب: لم يشأ الله سبحانه لنا أن نقتصر على السعادة المادّية عن طريق العيش في جنّة عرضها السماوات والأرض، بل شاء لنا أيضا ما هو أكبر من ذلك، ألا وهو الكمال الروحي الذي يستحيل حصوله إلاّ على أساسين: الاختيار والاختبار، فخلق الدنيا لأجل هذين الأمرين.