responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفتاوى الواضحة المؤلف : الحائري، السيد كاظم    الجزء : 1  صفحة : 41

من عددها في أيّ احتمال مناظر ، وكلّ احتمال من هذا القبيل فمن الضروريّ أنيزول[1] .



[1] بقيت مشكلتان لابدّ من تذليلهما :إحداهما : أ نّه قد يلاحظ أنّ البديل المحتمل لفرضية الصانع الحكيم تبعاً لمنهج الدليل الاستقرائي هو أن تكون كلّ ظاهرة من الظواهر المتوافقة مع مهمة تيسير الحياة ناتجةً عن ضرورة عمياء في المادة ، بأن تكون المادة بطبيعتها وبحكم تناقضاتها الداخلية وفاعليتها الذاتية هي السبب فيما يحدث لها من تلك الظواهر ، والمقصود من الدليل الاستقرائي : تفضيل فرضية الصانع الحكيم على البديل المحتمل ; لأنّ تلك لا تستبطن إلاّ افتراضاً واحداً وهو افتراض الذات الحكيمة ، بينما البديل يفترض ضرورات عمياء في المادة بعدد الظواهر موضوعة البحث ، فيكون احتمال البديل احتمالا لعدد كبير من الوقائع والصدف ، فيتضاءل حتى يفنى . غير أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم تكن فرضية الصانع الحكيم مستبطنةً لعدد كبير من الوقائع والصدف أيضاً ، مع أ نّه قد يبدو أ نّها مستبطنة لذلك ; لأنّ الصانع الحكيم الذي يفسّر كلّ تلك الظواهر في الكون يجب أن نفترض فيه علوماً وقدرات بعدد تلك الظواهر ، وبهذا كان العدد الذي تستبطنه هذه الفرضية من هذه العلوم و القدرات بقدر ما يستبطنه البديل من افتراض ضرورات عمياء ، فأين التفضيل ؟والجواب : أنّ التفضيل ينشأ من أنّ هذه الضرورات العمياء غير مترابطة ، بمعنى أنّ افتراض أيّ واحدة منها يعتبر حيادياً تجاه افتراض الضرورة الاُخرى ، وعدمها ، وهذا يعني في لغة حساب الاحتمال أ نّها حوادث مستقلّة ، وأنّ احتمالاتها احتمالات مستقلّة .وأمّا العلوم والقدرات التي يتطلّبها افتراض الصانع الحكيم للظواهر موضوعة البحث فهي ليست مستقلّة ; لأنّ ما يتطلّبه صنع بعض الظواهر من علم وقدرة هو نفس ما يتطلّبه صنع بعض آخر من علم وقدرة ، فافتراض بعض تلك العلوم والقدرات ليس حيادياً تجاه افتراض البعض الآخر ، بل يستبطنه أو يرجّحه بدرجة كبيرة ، وهذا يعني بلغة حساب الاحتمال أنّ احتمالات هذه المجموعة من العلوم والقدرات مشروطة ، أيّ أنّ احتمال بعضها على تقدير افتراض بعضها الآخر كبير جدّاً وكثيراً ما يكون يقيناً .وحينما نريد أن نقيّم احتمال مجموعة هذه العلوم والقدرات واحتمال مجموعة تلك الضرورات ونوازن بين قيمتي الاحتمالين يجب أن نتّبع قاعدة ضرب الاحتمال المقرّرة في حساب الاحتمال ، بأن نضرب قيمة احتمال كلّ عضو في المجموعة بقيمة احتمال عضو آخر فيها ، وهكذا . والضرب كما نعلم يؤدّي إلى تضاؤل الاحتمال ، وكلّما كانت عوامل الضرب أقلّ عدداً كان التضاؤل أقلّ ، وقاعدة الضرب في الاحتمالات المشروطة والاحتمالات المستقلّة تبرهن رياضياً على أنّ في الاحتمالات المشروطة يجب أن نضرب قيمة احتمال عضو بقيمة احتمال عضو آخر على افتراض وجود العضو الأول ، وهو كثيراً ما يكون يقيناً أو قريباً من اليقين ، فلا يؤدّي الضرب إلى تقليل الاحتمال اطلاقاً ، أو إلى تقليله بدرجة ضئيلة جدّاً ، خلافاً للاحتمالات المستقلّة التي يكون كلّ واحد منها حيادياً تجاه الاحتمال الآخر ، فإنّ الضرب هناك يؤدّي إلى تناقض القيمة بصورة هائلة ، ومن هنا ينشأ تفضيل أحد الافتراضين على الآخر . ( من أجل توضيح قاعدة الضرب في الاحتمالات المشروطة والمستقلّة راجع كتاب الاُسس المنطقية للاستقراء ) .والمشكلة الاُخرى : هي المشكلة التي تنجم عن تحديد قيمة الاحتمال القبلي للقضية المستدلّة استقرائياً . ولتوضيح ذلك يقارن بين تطبيق الدليل الاستقرائي لإثبات الصانع وتطبيقه في المثال السابق لإثبات أنّ الرسالة التي تسلمتَها بالبريد هي من أخيك .ويقال بصدد هذه المقارنة : إنّ سرعة اعتقاد الإنسان في هذا المثال بأنّ الرسالة قد أرسلها أخوه تتأثّر بدرجة احتمال هذه القضية قبل أن يفضّ الرسالة ويقرأها ، وهو ما نسمّيه بالاحتمال القبلي للقضية ، فإذا كان قبل أن يفتح الرسالة يحتمل بدرجة خمسين في المئة مثلا أنّ أخاه يبعث إليه برسالة فسوف يكون اعتقاده بأنّ الرسالة من أخيه وفق الخطوات الخمس للدليل الاستقرائي سريعاً ، بينما إذا كان مسبقاً لا يحتمل أن يتلقّى رسالةً من أخيه بدرجة معتدّ بها ; إذ يغلب على ظنّه مثلا بدرجة عالية من الاحتمال أ نّه قد مات فلن يسرع إلى الاعتقاد بأنّ الرسالة من أخيه ما لم يحصل على قرائن مؤكّدة ، فما هو السبيل في مجال إثبات الصانع لقياس الاحتمال القبلي للقضية ؟والحقيقة أنّ قضية الصانع الحكيم سبحانه ليست محتملة ، وإنّما هي مؤكّدة بحكم الفطرة والوجدان ، ولكن لو افترضنا أ نّها قضية محتملة نريد إثباتها بالدليل الاستقرائي فيمكن أن نقدّر قيمة الاحتمال القبلي بالطريقة التالية :نأخذ كلّ ظاهرة من الظواهر موضوعة البحث بصورة مستقلّة ، فنجد أنّ هناك افتراضين يمكن أن نفسّرها بأيّ واحد منهما ، أحدهما : افتراض صانع حكيم ، والآخر : افتراض ضرورة عمياء في المادة . وما دمنا أمام افتراضَين ولا نملك أيّ مبرّر مسبَق لترجيح أحدهما على الآخر فيجب أن نقسّم رقم اليقين عليهما بالتساوي ، فتكون قيمة كلّ واحد منهما خمسين في المئة ، ولمّا كانت الاحتمالات التي في صالح فرضية الصانع الحكيم مترابطةً ومشروطةً والاحتمالات التي في صالح فرضية الضرورة العمياء مستقلّةً وغير مشروطة فالضرب يؤدّي باستمرار إلى تضاؤل شديد في احتمال فرضية الضرورة العمياء ، وتصاعد مستمرّ في احتمال فرضية الصانع الحكيم .والذي لاحظته بعد تتبّع وجهد أنّ السبب الذي جعل الدليل الاستقرائي العلمي لإثبات الصانع تعالى لا يلقى قبولا عامّاً على صعيد الفكر الاُوروبي وينكره فلاسفة كبار من أمثال ( رَسل ) هو عدم قدرة هؤلاء المفكّرين على التغلّب على هاتين النقطتين اللتين أشرنا هنا إلى الطريقة التي يتمّ التغلب بها عليهما ، ومن أجل التوّسع والتعمّق في كيفية تطبيق مناهج الدليل الاستقرائي لإثبات الصانع مع التغلّب على هاتين النقطتين يمكن أن يراجع كتاب الاُسس المنطقية للاستقراء : ( إثبات الصانع بالدليل الاستقرائي ) .« منه (رحمه الله) » .
اسم الکتاب : الفتاوى الواضحة المؤلف : الحائري، السيد كاظم    الجزء : 1  صفحة : 41
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست