فكل انسان يزعم في حياته ان تركه لمسؤولياته في الحياة انما هو بسبب حبه للناس، وخضوعه لهم، فكل واحد منا يعتقد ان الناس سبب من اسباب رحمة الله علينا، ويزعم ان الشخص الفلاني هو سبب عطاء الله له، وسبب انقاذه، في حين ان القرآن يرفض هذا المنطق قائلا: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ، فالناس لا يمثلون حتى الاسباب، فالانسان عندما يفكر في الاعتماد على غير الله تعالى، وعلى غير ما اعطاه الله من قوى وقدرات، فحينئذ تبدأ انحرافاته الكبرى، ويستعبد، ولا يستطيع ان يخرج من اسر العبودية، واذا لم يتحرر فانه سوف لا يعبد الله، لان الهنا هو اله الحرية.
ويستمر القرآن الكريم في هذه التوجيهات القيمة قائلا: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ انَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ (البقرة/ 167) وهكذا تتحول اعمالهم الى حسرات وعبث، ويخلدون في النار: وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (البقرة/ 167).
ثم يوجه سبحانه خطابه الى المؤمنين قائلا: يَآ أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّباً (البقرة/ 168)، ومع ذلك فان اكثر الناس يضيقون على انفسهم، ويحرمونها من متع الحياة التي احلها الله تعالى لهم، بسبب عبادتهم للدنيا، وتقديسهم، وخضوعهم للعادات الخرافية، والتقاليد الخاطئة، ولذلك فان القرآن الكريم يأمرنا بأن نخرق هذه التقاليد، وان نتفاعل مع الحياة، فالحياة حرة، ونحن خلقنا احرارا، فمجرد جهلنا لواقع الحياة، وحبنا للانداد، وعدم معرفتنا بأن القوة لله جميعا، هو الذي يمنعنا من التمتع بالحياة الحقيقية.
ويستأنف تعالى قائلا: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ (البقرة/ 168)