ويدخل عليه الظهر في المدائن، ويغشيه وقت العصر في بلاد الجبل، وفي الليل يعود الى مكانه، ومع كل مظاهر العظمة والقوة هذه مر على بيت النمل، فقالت نملة: يَآ أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ (النمل/ 18)، وعندما نطقت النملة بكلامها هذا سمعها سليمان بما اوتي من قدرة على فهم منطق الحيوان، فأمر جيشه كله بالتوقف، وقال: لايجوز ان نؤذي هذا النمل، دعوهم يدخلون مساكنهم بأمن.
والقرآن يضرب لنا هذا المثل ليفهمنا ان حضارة السماء يجب ان تكون هكذا، فحتى الحشرات والمخلوقات التي نتصور انها تافهة يجب ان تشعر فيها بالامن والاطمئنان، وقد كان سليمان (عليه السلام) من اكثر الانبياء تواضعا وزهدا، يعيش على كد يمينه وعرق جبينه، ولا يأكل مطلقا من بيت المال، ومع كل ذلك كان هذا النبي العظيم يطمح في ان يصل الى مستويات اعلى، فكان يدعو ربه قائلا: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (النمل/ 19).
ولنسأل انفسنا الآن: اين اصبح ملك سليمان؟ لقد تحول الى هذه الاطلال التي نراها في بعلبك وفلسطين.
ان هذه الدروس والعبر التي نستخلصها من هذه القصص والاخبار التأريخية يجب ان ندرك من خلالها ان الدنيا ليست لنا، واننا يجب ان نخلص اعمالنا لله عز وجل، فكل شيء هالك الا وجهه الكريم، وكل شيء فان الا الاعمال الصالحة التي نقدمها لآخرتنا من خلال اجتياز الامتحانات والابتلاءات الالهية بنجاح.