فقال الأعرابي: وأقول أكثر من هذا، فهل أنت مجيبي على قدر كلامي؟ فأذِن له الحسين عليه السلام في ذلك فأنشد يقول:
هفا قلبي إلى اللهو
وقد ودع شرخيهِ
إلى تسعة أبيات على هذا الوزن.
فأجابه الحسين عليه السلام مثلها متشابهات منها:
فَمَا رَسْمُ شَيْطَانِيْ قَدْ
تَحْتَ آيَاتِ رَسْمَيْهِ
سَفُوْرٌ دَرَّجَتْ ذَيْلَيْنِ
فِيْ بَوْغَاءِ فَاعَيْهِ
هَتُوْفٌ حُرْجُفٌ تَتْرَى
عَلَىْ تَلْبِيْدِ تَوْبَيْهِ
ثم أخذ يفسر ما غمض من كلامه فقال:
«أَمَّا هِرْقِلُ: فَهُوَ مَلِكُ الرُّوْمِ، وَالجُعْلُلُ: فَهُوَ قِصَارُ النَّخْلِ، وَالأَنِيْمُ: بَعُوْضُ النَّبَاتِ، وَالمَهْمِمُ: القَلِيْبُ الغَزِيْرُ المَاءِ».
وهذه كانت أوصاف الأرض التي جاء منها.
فقال الأعرابي: ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاماً، وأذرب لساناً، ولا أفصح منه منطقاً [1].
ومن روائعه المأثور قوله:
«شَرُّ خِصَالِ المُلُوكِ الجُبْنُ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَالْقَسْوَةُ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالْبُخْلُ عِنْدَ الْإِعْطَاء» [2].
ومن حكمه البديعة:
«لَا تَتَكَلَّفْ مَا لَا تُطِيْقُ، وَلَا تَتَعَرَّضْ لَمَا لَا تُدْرِكْ، وَلَا تَعِدْ بِمَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا تُنْفِقْ إِلَّا بَقَدَرِ مَا تَسْتَفِيْدُ، وَلَا
[1] أبو الشهداء، عباس محمود العقاد، نقلًا عن كتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي، ص 73.
[2] بلاغة الإمام الحسين، ص 128.