إن من فداحة الخطب أن يبحث الغني عن عالم لا يأمره بالجهاد، ليضحى بنفسه، أو يبحث عن خطيب لا يحمله المسؤولية المناسبة له، ويقول له بأنه من أهل الجنة لأنه ساهم في بناء المسجد الفلاني، أو شارك في عمل الخير في مكان ما .. ولكنه إذا ما واجهه شخص ما بقول الله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة، 19). أعرض ونآى بجانبه، طالباً عدم الاستمرار في قراءة هذه الآية ومثيلاتها. أو كان شأنه شأن معاوية بن أبي سفيان الذي كان ذات يوم يشرف من قصره على الجادة والمارة، فرآه الصحابي الجليل أبوذر الغفاري رحمة الله عليه، فتلا عليه قوله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة، 34- 35). فقال له معاوية معترضاً: يا أباذر؛ ألم تجد في القرآن آية أخرى تتلوها علينا؟!
فأجابه أبوذر: إنما يجب أن تقرأ هذه الآية لك، لأنك كنزت أموال المسلمين وبنيت بها هذه القصور .. فما كان من معاوية إلّا أن أرسل إلى الخليفة الثالث يحذره من مغبة ضياع الشام إن بقي أبوذر فيها، فكان أن نفي هذا الصحابي الجليل إلى الربذة التي استشهد فيها غريباً.
وهذا وغيره؛ يعني أن مخادعة النفس تجر إلى السيئة تلو السيئة، حتى تحمل المتشبث بها إلى أن يكون شيطاناً، فيرتكب من الموبقات ما شاء له أن يرتكب.