وحتى إفنائها بقانون أو قوانين وصفها الله لها وحكمها به، فهي لا تخرج عن إرادة ربها ولا تتزحزح مقدار ذرّة.
الإسلام جاء ليحث الناس على إخضاع الطبيعة بدلًا من الخضوع لها. والله أراد للإنسان أن يكون قوياً مقتدراً، فلا يخاف الريح فيعبدها؛ بل يصنع طائرة ويسخر الريح؛ ولا يخاف النار وطاقتها، بل ليستفيد من هذه الطاقة فيبتكر الصناعات لتتطور حياته وتزداد تألقاً و تقترب من الكمال.
نموذج مقاومة الشرك
فماذا يا ترى صنع الإسلام حتى يتحرر الإنسان- هذا المخلوق المكرّم- في الدنيا والمسؤول في الآخرة؟
لقد قدم له نموذجاً حيّاً سمّاه إبراهيم الخليل الذي تحدى مجتمعه، بما فيه عمه الذي كان ينزله منزلة الأبوة لشدة علاقته العاطفية به، وبهذا التحدي بدأت رحلة إبراهيم الإيمانية: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الأنعام، 74).
فهو حينما تحرر من قيود الطبيعة التي يكرسها الخوف منها، تحداهم مرة واحدة، لأن عمه ومن على شاكلته كانوا كلهم في ضلال وانحراف وقيود. لقد تحرر من تأريخ الشرك وبعده الزمني المليء بالأساطير والخرافات والجهل المتراكم، وتحرر أيضاً من ثقل المصالح التي كان عمه يهدده بحرمانه منها ..
وفي مقابل هذا التحدي جزاه الله الجزاء الأوفى، حيث يشير سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام، 75).