وتصبح المشكلة بالنسبة إليه مضاعفةً إذ أ، ه لا يصل إلى الحقيقة ولن يبلغها لأنّه يعتقد أنّه قد عرفها، وهذا الاعتقاد يمنعه من السعي نحوها مستقبلًا أو قبول كلام من ينبئه عنها.
وأول غرور الإنسان زعمُه بأنّه أُوتي القدرة على العلم بذات الله سبحانه، فأخذ يقيس ربه بنفسه جهلًا بمقامه .. ثم جرى على ذلك فأخذ يقيس دينه بأهوائه.
يقول الإمام أمير المؤمنينعليه السلام-:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله-: قال الله جل جلاله: (ما آمن بي مَنْ فسّر برأيه كلامي، وما عرفني مَنْ شبَّهني بخلقي، وما على ديني مَنِ استعمل القياس في ديني)[2].
إننا نجد كيف اتصلت ضلالة تشبيه الله بضلالة القياس في دينه، لأنّهما ينتهيان معاً إلى إشباع غرور الإنسان عبر القياس ..
وتاريخياً إنّما نشأت فكرة القياس التي استولت على الفكر اليوناني بسبب هذا الغرور الجامح بعد اكتشاف قوانين الهندسة، حيث زعموا أنّهم قادرون على كشف كل حقائق الكون عبرها، فاندفعوا يقيسون كل كل شيء بمعادلات هندسية، فضلّوا وأضلّوا أجيالًا متمادية من البشر.
يقول عن ذلك براتراند راسل [3] بعد أنْ يسمَّي المذهب التعقلي ب- (السنة المأثورة) أو (المذهب الكلاسيكي) يقول: الدافع الأول والبسيط الذي كان وراء هذا المذهب اعتقاد حكماء اليونان الساذج القدرة المطلقة للتعقل والاستدلال (القياسي). لقد أشبعهم اكتشاف الهندسة غروراً وسكراً حتى زعموا بأنّ منهج القياس الذي استخدم فيها يمكن أنْ يستعمل بصورة مطلقة وكلّية (وفي كل شيء). كانوا يزعمون: أنّ الحقيقة أمرٌ واحدٌ ولا تعدد فيها، وليس عالم الحس سوى غرور وأوهام محضة، ولم يرفَّ لهم جفنٌ بسبب غرابة هذه النتائج. بل كانوا من شدّة الإعتقاد