responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقاصد السور المؤلف : المدرسي، السيد محمد تقي    الجزء : 1  صفحة : 34

ولكن الإنسان يملك- بإذن ربه- ميزة أساسية بين الخلائق، وهي أنه سيدها الذي سخرها الله له، ولذلك فهو يحمد ربه. وإذا أراد الإنسان أن يكرس في ذاته صفة السيادة على الكون، فليس عليه سوى المزيد من الارتباط بربه الذي سخر الكون لأمره.

معرفة اللَّه‌

إن معرفة الطبيعة من دون إله لها يعني أن المادة بلا روح، وبلا قيم، وبلا نظام. ومعرفة الله بعيداً عن الطبيعة يعني البحث في فراغ، في التجريد، في اللاشي‌ء. وسواء كانت هذه أو تلك فهي تنتهي بالإنسان إلى اللامسؤولية واللاإلتزام، وبالتالي إلى اللاوعي.

إنّ المادي الذي يختصر حياته في الأشياء، ولا ينظر عبر المادة إلى ما ورائها من هيمنة الله، وقيامه وملكه وسلطانه، إنه لا يشعر بالتزام تجاه المادة، لأن المادة لا حياة لها ولا عزة لها ولا حكمة. فالمادة لا تراقبه، ولا تحاسبه، ولا تجازيه، بل لا يشعر بها، فلذلك فهو ينفلت عن التقيد بالمسؤوليات.

وكذلك الصوفي الذي يؤمن بالألفاظ، والكلمات، والخلسات، والهمسات، ولا يؤمن بإله الحياة والنظام، والتدبير، والملك، الحساب والعقاب، إنه لا يؤمن بالطبيعة كمظهر سامٍ من مظاهر الحياة التي وهبها الله، والنظام الذي قام عليه وأجراه سبحانه، وبالتالي لا يؤمن بالطبيعة كاسم من أسماء الله سبحانه. إن هذا الصوفي هو الآخر لا يشعر بمسؤولية أمام الحياة التي فصلها عن الله.

والحقيقة في معرفة المادة والروح هي الإيمان بواقع الطبيعة، وبحقيقة القيم التي تهيمن عليها، والاعتقاد بوجود الطبيعة المدبَّرة بسلطان ربها، وبالتالي الاهتداء إلى الله عبر أسمائه وآياته المنتشرة في رحاب الطبيعة.

إن القرآن باعتباره كتاب الله الذي لاريب فيه يتحدث إلينا عن الطبيعة باعتبارها جسراً يسير عبرها الفكر إلى معرفة الله، وباعتبارها مظهراً سامياً لأسماء الله وآياته، وباعتبارها أداةً للإنسان لاكتشاف نفسه، والاهتداء إلى ربه، والتكامل حتى يكون إلى الله المنتهى.

فعليك- أيها الإنسان- أن تنظر إلى السماوات، ولا تجلس في غرفة مظلمة تبحث‌

اسم الکتاب : مقاصد السور المؤلف : المدرسي، السيد محمد تقي    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست