كما خلق الله الكائنات فسواها وأتم صنعها، كما قدر لها شؤونها،
وألزمها بسنن، وهداها إليها، كذلك قدر للإنسان ما يصلحه، وجعل له سبل السلام التي
تهديه إلى غاياته الكريمة، وبعث إليه رسالته التي تهديه إليها.
ولا تحدد غاية الإنسان بما في الدنيا من عافية وأمن وتقدم وسعادة، بل
وأيضا بما في الآخرة التي هي خير وأبقى.
بماذا يهدي الله الإنسان إلى الفلاح؟ بالقرآن الذي يقرؤه الرسول فلا
ينسى منه حرفا ليذكر به الناس، ولكن من الذي يتذكر؟ إنما الذي يخشى، بينما الذي
يسد منافذ قلبه من دون التذكر فهو الأشقى الذي يصلى النار الكبرى فلا يموت فيها
ولا يحيى.
وإذا استطاع الإنسان الإقلاع من جاذبية الدنيا والتحليق في أفق
الآخرة التي هي خير وأبقى فإنه يخطو الخطوات الأولى على طريق الفلاح، أما الثانية
فالخشية ثم التذكر، وبعدهما تأتي التزكية كخطوة ثالثة تحمله إلى الصلاة والزلفى
إلى رب العزة.
هكذا تتواصل آيات سورة الأعلى لتذكرنا ببلاغة نافذة بذات الحقائق
الكبرى التي لا بد أن نعيها حتى نبلغ الفلاح. وإنها لمعجزة القرآن أن كل سورة منه تذكر
بذات