responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث المؤلف : العلامة المجلسي    الجزء : 88  صفحة : 364

بيان: قال الجوهري غشي المرأة وتغشاها جامعها " فأمرتك أن تزيد " ظاهره أن السبعين في الآية الكريمة ليس كناية عن مطلق الكثرة بل خصوص العدد مخصوص فيدل بمفهومه على أنه ينفع الاستغفار لهم بأزيد من السبعين، فإذا كان الدعاء للمنافقين مع عدم قابليتهم للرحمة نافعا بأزيد منه فينفع المؤمن بالطريق الأولى ويحتمل أن يكون المراد أنه لما ذكر الله سبحانه السبعين في مقام المبالغة في عدم استحقاقهم للمغفرة، فيدل على أن هذا العدد نصاب ما يرجى به الإجابة، وأنا زدت عليه أيضا فيكون أحرى بكونه سببا للإجابة والأول أظهر لفظا والثاني معنى [1].


[١] وعندي أن المراد بالسبعين في قوله عز من قائل: " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يعدى القوم الفاسقين " (براءة: ٨٠)، هو الإشارة إلى ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة أحد في الصلاة على حمزة سيد الشهداء واعزمهم على رسول الله، حيث كبر عليه خمس تكبيرات أولا، ثم أتى بالقتلى واحدا واحدا يوضعون إلى حمزة، فيصلى عليهم وعليه مع كل واحد منهم، حتى صلى على حمزة سبعين صلاة، ومعلوم من كرامته صلى الله عليه وآله على الله عز وجل أنه لم يكن ليستغفر لاحد بهذه المثابة من الشفقة، وهذه المرتبة من التحنن و الرأفة والوجد، الا ويغفر الله له ما قد سلف، ويبلغ به الدرجات العلى في أعلى عليين، كما فعل بسيدنا حمزة أسد الله وأسد رسوله صلوات الله عليه.
ومفاد الآية الكريمة أن الاستغفار بالنسبة إلى المنافقين - سواء استغفر لهم الرسول أو استغفروا هم لأنفسهم - لم يكن ليجديهم نفعا ابدا، فان حقيقة الاستغفار هو الاعتذار إلى الله عز وجل وطلب المغفرة والرضوان مه ليتوب على العاصي ويعفو عن سوء صنيعه، وهذا المعنى إنما يلحق المؤمنين الذين علموا السوء بجهالة ثم ندموا عن قريب، فاعتذروا إلى الله عز وجل ليتوب عليهم بالمغفرة. وأما المنافقون الذين كفروا بالله ورسوله باطنا، وفسقوا عن أمره معاندة ومضادة، إنما يكون اعتذارهم واستغفارهم صوريا كالاستهزاء بالله ورسوله، فالله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
فعلى هذا " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم " كلاهما سيان " كما صرح بذلك في سورة المنافقون " سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ذلك أن الله لا يهدى القوم الفاسقين "، حتى أنك لو استغفرت لهم سبعين مرة كما صنعت قبل ذلك لحمزة سيد الشهداء، فأجابك الله وبلغ الدرجات العلى، لا يجديهم نفعا، ولم يكن الله ليغفر لهم، ذلك، بأنهم كفروا بالله فكيف يستغفرونه؟ وكفروا بالرسول فكيف يستشفعون منه؟ و فسقوا عن أمر ربهم مصرين على مضادتهم والله لا يهدى القوم الفاسقين.
ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك - مؤمنا - فاستغفروا الله - مخلصا - واستغفر لهم الرسول - تحننا واشفاقا - لوجدوا الله توابا رحيما.
وأما رقم السبعين، فلا دخالة لها في الغفران لا نفيا بالنسبة إلى المنافقين والمشركين ولا اثباتا بالنسبة إلى المؤمنين كحمزة سيد الشهداء، وإنما صلى رسول الله على حمزة و استغفر له سبعين مرة، لان قتلى أحد كانوا وهو أحدهم: خصه بواحد منها وأشركه مع السائرين فصارت سبعين، ولو أنهم كانوا أقل من ذلك أو أكثر لصلى عليه معهم عدد القتلى من دون زيادة ونقيصة، كما أن وصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام على سهل بن حنيف خمسا كذلك.
وأما ما قد يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصل على شهيد، فهذا إنما كان بعد نزول قوله تعالى: " ذلك أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " براءة: ١١١.
فعلى ما مر في ج ٧٩ ص ٢٠٨ وغير ذلك من الموارد: الشراء والاشتراء هو ما نسميه في عرفنا بالعرضة والتقاضي فالشاري من له متاع قد عرضه للبيع ولم يبعه بعد والمشترى من له حاجة بمتاع ويأتي السوق ليجده ويبتاع، ولم يجده بعد، فإذا وجده عند ذاك الشاري وابتاعه منه فقد تم البيع وحينئذ يكون أحدهما البايع والاخر المبتاع وانتفى الشراء والاشتراء.
فمعنى الآية أن الله عز وجل مشتر يتقاضى ويطالب من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ليبيعوها منه بثمن هو الجنة، وكيفية هذه الصفقة أن ينفقوا أموالهم ويقاتلوا بأنفسهم في سبيله فيقتلون أعداءه أعداء الدين ويقتلون: فمن أوفى بعهده من الله بأن عرض نفسه للبيع من الله عز وجل وقاتل في سبيله مخاطرا بنفسه غير مؤثر للحياة، يعاهد القتال مرة بعد مرة رغبة منه في أن يتم له الصفقة من الله عز وجل بالشهادة، فهو الذي يقال له: استبشر ببيعك الذي بايعته وعاهدته وهو الفوز العظيم بالجنة، سواء تم له الصفقة بالشهادة أو لم يتم:
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين (الذين يشهدون معركة القتال ويقاتلون على حرف ليفروا ذلك أن وجدوا مخاطرة) إن شاء أو يتوب عليهم ذلك أن الله كان غفورا رحيما ".
فلو أن أحد شهد معركة القتال وقاتل في سبيل الله على حرف مؤثرا لنفسه أن يقع في المخاطرة، لم يكن بائعا لنفسه ولم يكن أو في بما عهد إليه الله في هذه الآية. وإنما يصدق المبايعة والموافاة بأن يزاول المخاطر ويعاهد القتال والضراب مرة بعد مرة، كالمبايع إلى يعاهد المشترى ويعارضه بالبيع وهو ممتنع أن يبتاعه حتى يرغبه في متاعه ويبيعه منه، ولذلك قال عز وجل: " ببيعكم الذي بايعتم به " ولم يقل " بعتم به ".
فإذا أوفى البائع وعاهد القتال بنفسه، وتم له الصفقة من الله عز وجل بالشهادة، فقد ختم عليه بالخير، ولا ريب في أنه فاز بالثمن وهو الجنة لكونه وعدا على الله حقا مسطورا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن كان مشهودا له بالجنة فهو في غنى عن الاستغفار من الله عز وجل، فان له العتبى وزيادة " ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ".
نعم قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول هذه الآية يبايع المؤمنين: يضمن هو لهم الجنة

اسم الکتاب : بحار الأنوار - ط دارالاحیاء التراث المؤلف : العلامة المجلسي    الجزء : 88  صفحة : 364
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست