أي أن معلولية الظل لحركة الشمس، أو إن شئت قلت: إن هذا التلازم
بينهما إنما هو جعل إلهي نابع عن إرادته، فلا شيء يعلو القهر الإلهي.
فالشمس إذاً مهيمنة بإرادة الله على وجود الظل، وهي الدليل عليه، إذ
لا ظل بلا مصدر للضوء، كالشمس أو المصباح.
لقد جعل الله الشمس دليلًا على الأظلة التي تمتد إلى مسافات بعيدة
جدًّا حين الشروق، وتتقلص وتنكمس حين الظهر، وتعود إلى حالة التمدد عند الغروب، ثم
تنقبض وتتلاشى عندما يغيب القرص نهائيًّا حيث يحلّ الليل.
وهذا الذي أشارت إليه الآية الشريفة التالية:
قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً[1].
وكما الظل يبسطه الرَّبّ ويمدُّه ثم يقبضه إليه قبضًا يسيرًا، كذلك
بيده قبض وبسط خلقه جميعًا. فهو الذي يُخرج المرعى ثم يجعله غثاءً أحوى، وهو الذي
يجعل الحيوان المنوي إنسانًا سويًّا ثم يُنكِّسه في الخلق ثم يقبضه إليه ثم يُعيده
تارة أخرى، وهو الذي فتق السماوات والأرض بعد أن كانت رتقًا ثم يطويها كطي السجل
للكتب كما بدأ الخلق الأول يعيده.
وهكذا دورات الخلق يبسطها ويقبضها كيف يشاء. ولو تدبر المرء في ظل
الشمس كيف يمدُّه الرَّبُّ ثم يقبضه، عرف قدرة الله المهيمنة على خلقه كيف تتصرَّف
في الخلائق سبحانه.